بقلم د. رفعت السعيد
يشرب الكثيرون القهوة، ويختلفون فى مزاجهم.. سكر زيادة- سادة- ع الريحة، ولعل «ع الريحة» هى الأصعب. فالسادة والزيادة سهلة جدا، لكن ضبط «ع الريحة» صعب ليس فقط بسبب دقة الصانع وإنما أيضا بسبب مزاج الشارب. وما كان هذا الحديث سوى مقدمة لقول سياسى. فحالنا السياسى والإعلامى شبيه بذلك. كثيرون يعرفون المعارضة الجامحة بكل صنوفها (سادة)
وأكثر يبالغون فى التأييد بصورة مفرطة (سكر زيادة) وهى تدفع المشاهد أو القارئ إلى المقارنة بين ما يرى فى الواقع وما يسمع أو يقرأ فيعرض عن القائل ويتصور أن النظام مسؤول عن تطويع أو حتى استئجار الفاعلين، وترينا الخبرة السياسية المتراكمة عبر عصور عدة أن ضبط معيار العلاقة بالنظام سياسيا أو إعلاميا يتطلب مزاوجة دقيقة ومستبصرة بين مجمل السياسات وتفاصيلها. فمن الممكن التأييد للمجمل إذا كان جوهر الاتجاه صحيحا وكانت حماية النظام ترتبط بحماية الوطن ومستقبله، لكن ذلك لا يعنى إغماض العين عمدا أو استسهالا عن أخطاء قد تبدو تفصيلية بالمقارنة بالمجمل لكنها قد تكون كفيروس الإنفلونزا، تكمن، تتراكم، ثم يتأذى مجمل الجسد وقد يصيبه الوهن
ومن ثم يتعرض ويتعرض معه الوطن إلى المخاطر. كذلك قد يكون المجمل مرفوضا بسبب رفض مجمل اتجاهه لكنه قد يفرز بحكم الواقع أو حتى رغبة فى التحايل على الجماهير أفعالا أو مواقف إيجابية، ومن ثم يكون العقل مستوجبا رفض المجمل وقبول الإيجابى. لكن السياسيين والإعلاميين كثيرا ما يخطئون فيتمادون، إما فى التأييد الممل وغير المستبصر، والذى قد تفوح منه رائحة التملق الذى يؤذى الحاكم بأكثر مما يفيده، أو يتمادون فى الرفض والإدانة بصورة قد تبدو مغرضة وقد تكون مدفوعة، إما بالاندفاع الشخصى أو بالدفع النقدى.
.. وما أحوجنا الآن سياسيين وإعلاميين إلى أن نتأمل تاريخنا القريب ونكتشف كيف تجلى عبدالناصر كمناضل ضد الاستعمار والصهيونية، وكمدافع عن حقوق الفقراء وفى نفس الوقت تفرعن فى قهر خصوم سياسيين بعضهم كان وظل يؤيد سياساته الاقتصادية والاجتماعية والوطنية، ولكنه رفض التمادى فى رفض الديمقراطية وما صاحب الرفض من انتهاكات غير إنسانية كانت سبيلا لإجهاض التجربة فيما بعد. هنا كانت الاختيارات صعبة، البعض تمادى فى المساندة مغمضا عينيه على قذى، ناسيا أنه يسىء إلى من يحب بعدم تبصره، وأنه قد يكون متعمدا تغليف وضعه ومكانته ومطامعه بتملق بعضه صحيح وبعضه كريه، والبعض تمادى فى الرفض وتخيل أن قبول أى شىء يعنى قبول كل شىء.. فعارض وتمادى فى المعارضة حتى عارض نفسه وكل ما هو مفترض فيه من مواقف.
وأسأل هل آن لهذه الأطروحة أن تتكرر، السيسى قاد مصر وشعبها فى مواجهة شجاعة ضد الجماعة الإرهابية وضد المؤامرة الأمريكية- الأوروبية، وواجه مؤامرات متعددة الأطراف (قطر- تركيا- إيران) وتمويل إجرامى لجرائم ضد الوطن وحمى مصر من مصير كمصير السودان- ليبيا- الصومال- اليمن- سوريا- العراق.. وأسرع فى بناء جاد ولكن هناك أخطاء. السكوت عليها خطأ، وتضخيمها لتخفى المنجزات جريمة. فهل آن الأوان أن نشرب القهوة «ع الريحة».
نقلآ عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com