ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الطحين الإيرانى

بقلم أسامة غريب | 2014-11-10 13:16:57

 الزعماء الذين توعدوا إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور كثيرون، والأشاوس الذين هددوا إسرائيل بالحرق والغرق معروفون.. ففى عام ٦٤ عندما بدأت إسرائيل فى تحويل مجرى نهر الأردن اجتمع الزعماء العرب فى قمتهم الأولى وصدرت عن بعضهم تهديدات عنترية ضد دولة الكيان الصهيونى توعدت بإلقائها فى البحر.

 
وأيضاً عندما بدأت إسرائيل تثير العالم ضد التصنيع العسكرى فى العراق أطلق المهيب الركن صدام حسين خطبته الشهيرة، فى شهر إبريل من عام ٩٠، وفيها هدد بحرق نصف إسرائيل.
 
ومع تولى السيد أحمدى نجاد الرئاسة فى إيران عام ٢٠٠٥ لم يتوقف يوماً عن إطلاق التهديدات ضد إسرائيل، ولم يكف أبداً عن التحرش بها ومواجهة غطرستها والرد على استفزازاتها باستفزازات مماثلة وصلت إلى تهديده بإنهاء دولة إسرائيل إذا ما تجرأت وهاجمت منشآت المشروع النووى الإيرانى.
 
فيما يتعلق بالتهديد بإلقاء إسرائيل فى البحر، الذى صدر عن بعض الزعماء العرب فى الستينيات، فإن إسرائيل قامت بالرد عليه فى صباح الخامس من يونيو عام ٦٧، وقامت باحتلال أراضى سيناء والجولان والضفة الغربية، ثم استولت على غزة والتهمت فلسطين بالكامل. أما بالنسبة لصدام حسين فإن الرد على تهديده بإحراق نصف إسرائيل أتى عبر استدراجه لاحتلال الكويت، ثم تدمير جيشه وتعقبه بعد ذلك بالحصار والتفتيش حتى وصلوا لغرفة نومه.. وعندما تأكدوا من نزع أنيابه قاموا باحتلال بغداد وأعادوا العراق للعصور الوسطى، قبل أن يقوموا بشنق صدام وقتل أولاده.
 
الوحيد الذى هدد إسرائيل ولم تجرؤ أن تمس بلاده هو أحمدى نجاد.. فلماذا استطاعت إسرائيل أن تمسح الأرض بالأشاوس العرب الذين هددوها، بينما لم تستطع أن تفعل الأمر نفسه مع عدوها الإيرانى؟
 
من الطبيعى أن الجعجعة العربية لم تكن هى السبب فى العدوان الإسرائيلى المتواصل على الأرض العربية، لكن الحقيقة أن هذه الجعجعة، التى لم تستند أبداً إلى قوة مادية حقيقية، منحت إسرائيل زاداً إعلامياً استطاعت من خلاله أن تثبّت فى أذهان العالم صورة نمطية عن الحاكم العربى (الذى كان فى حقيقته قليل الحيلة) باعتباره هرقل الجبار الذى ينوى دفن إسرائيل تحت سنابك عسكره وإلقاء شعبها المسالم فى البحر، وبهذا نجحت فى أن تحظى بتعاطف العالم وتأييده لمجازرها ضد العرب الضعاف.. طوال اللسان.
 
نفس الأمر فعلته إسرائيل مع إيران، من حيث قدرة الآلة الدعائية الصهيونية على شيطنة إيران وحكامها وتصدير صورة مخيفة للعالم عنهم، كما نجحت فى حصار الشعب الإيرانى وفرض العقوبات الاقتصادية ضده.. العامل الوحيد الذى اختلف وجعل الإسرائيليين يعجزون عن مهاجمة إيران بعد أن نجحوا فى عزلها هو أن جعجعة إيران وتهديدات أحمدى نجاد وجرأته، التى وصلت لإنكار قدس أقداسهم (الهولوكوست)، لم تكن بلا طحين.. كانوا يجعجعون ويصنعون السلاح.. يجعجعون ويتقدمون فى علوم الفضاء والذرة.. يجعجعون وينتجون كل ما يحتاجون إليه، وقد أثبتوا أن تهديداتهم عالية التصديق، وأنهم قادرون على تنفيذها مهما بلغت النتائج.
 
الخلاصة أن موقف إيران الصلب كان نتاج جهد دؤوب وعمل متواصل وبناء للذات لا يكل ولا يمل، وقدرة على المناورة واستغلال تناقضات الخصوم وأخطائهم.. وهذا فى الحقيقة يعطى درساً مفاده أن الجعجعة ولغة التهديد ليست بالضرورة خطأ يجلب لصاحبه الهلاك.. لكن بشرط أن نرى مع الجعجعة شيئاً من الطحين!
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com