بقلم: سمير حبشــــى
عندما يموت المعنى الحقيقى للكلمات تتوه الحقيقة ، وتصبح الحروف كالأرامل .. وللأسف يعود قائلها مرة أخرى عاريا ويفقد كثيرا من بهائه .. ويصبح صاحب خطايا ، ويحتاج حتما للدموع الجارية ،
حتى يُصلح ما أفسد من الكلمات الماضية .. إن الكلمات الحكيمة تجعل قائلها يعلو إلى قمم الجبال ، أما إن شابها الزيف فهى قادرة أن تسقطه من فوق السحاب ، والحكماء دائما حريصون على التفوه بالكلمات ذات المضمون الَجاد ، حتى لو كانت مرة کالدواء ، ولكنها تساعد البشر علَى التعافى ، والبشر غالبا ما يتذكرون كلمات الحكمة وقائلها ، وينزوى فى خانة النسيان من خانه البوح بها .. لذا فقد كان المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث حريصا على أن يزن الحروف ، قبل أن تدخل فى تكوين الكلمات ، بميزان أدق من ميزان الذهب ، قبل أن تولد من شفتيه ، ولذا فقد لُقب بمعلم الأجيال ، وحكيم زمانه ، ومازلنا نستقى من نبع حكمته ومنافع كلماته ، ويذكرنى هذا دائما بقول الشاعر :
مات قوم وما ماتت حكمتهم *** وعاش قوم وهم في الناس أموات
أقول هذا يا إخوتى لأدلل عن الفرق الكبير، عندما تخرج الكلمات تائهة عن مدلولها الصحيح ، من فم المسئول الكبير فى كنيستنا القبطية الأرثوذكسية ، لتأخذ شكل ومدلول ما يريد أن يسمعه حكام المكان .. هذه الكلمات التى صعقنى وقعها على أُذناى ، عندما قال قداسة البابا تواضروس : إن السيد المسيح أول سائح يزور مصر في القرن الأول الميلادي .. ولم يأتى رب المجد يا إخوتى سائحا إلى مصر ، بل كان هاربا من الظلم ، وقد تعلمنا منذ حداثة أظفارنا ، وفى مراحل مدارس الأحد ، ما هو مكتوب فى كتاب الله ، " ذهبت العائلة المقدسة (الطفل يسوع مع مريم أمه وخطيبها يوسف) إلى أرض مصر هربا من اضطهاد هيرودس ملك اليهودية الذي أراد إهلاك الطفل يسوع (متى ( 13-15: 2 تنقلت العائلة المقدسة في مصر حتى وصلت إلى أسيوط ، ومكثت في مصر بضعة سنوات .
ثم عادت إلى مدينة الناصرة بفلسطين بعد موت هيرودس الملك (متى 2: 19-23 .. والغريب أن هذه المقولة قيلت فى الإحتفال الذى أقيم فى كنيسة " أبو سرجة " والتى كتب عنها فى التاريخ " تعتبر كنيسة "أبو سرجة" أحد أهم الآثار القبطية الموجودة في مصر ، والتي تقع في منطقة مجمع الأديان بمصر القديمة.. حيث تشير الكنيسة إلى المكان الذي أقامت فيه العائلة المقدسة ، أثناء رحلة الهروب من ظلم هيرودس ملك اليهود . أما المغارة المقدسة فإنها عبارة عن كهف ، كانت العذراء مريم والسيد المسيح والقديس يوسف يختبئون فيها ، حيث تقع أسفل منتصف مكان المرتلين وجزء من هيكل الكنيسة ، وهذا يعنى أن الرب يسوع حضر إلى مصر ليس للسياحة أو المتعة ..
بل لقد اختار السيد المسيح مصر ليحضر إليها بنفسه ، وليراه المصريون بأعينهم .. هناك حيث كان معقل العبادة الوثنية العريقة العاتية. وكان ذلك كله ليهز مملكة الشيطان ، ويمهد الطريق لانتشار المسيحية ، حتى تغنَى إشعياء النبي وقال "مبارك شعبي مصر ، وعمل يدي أشور وميراثي إسرائيل" (إش19: 25. وجاء أيضا السيد المسيح إلى أرض مصر تحقيقا للنبوات . فقد تم بذلك قول الكتاب "من مصر دعوت ابني" (هو11: 1، مت2: 15). وكذلك نبوءة إشعياء النبي "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر ، فترتجف أوثان مصر من وجهه" (إش19: 1. )
ما زاد عن ذلك تصريحات قداسة البابا المتكررة فى كل مناسبة ، بأن أقباط مصر أحسن حالا بكثير منذ ثورة 30 يونيو ، غير عابئ بما تصنعه هذه الكلمات من انتكاسة ، فى مستقبل من يحاولون الهجرة إلى بلاد أخرى ، ليجدوا فيها الأمن والأمان " وهذا ما قد صرح لى به مدير عام الهجرة فى مدينة سيدنى أستراليا قائلا : من نصدق .. قصصكم أما تصريحات أكبر رأس فى الكنيسة " يقول قداسته هذه التصريحات ، ويشترك فيها مع القادة والساسة فى نثر الكلمات البهية فوق جثث الموتى ، والمغتصبات من أبناء الكنيسة : إن هذا حادث عرضي ، ويبقى تلاحمنا والوحدة الوطنية ، لا فرق بين مسلم ومسيحى ، الجميع متساوون في المواطنة ، ثم يموت القبطى ويُغتصب أرضه وعرضه ، ولا نسمع تعليقا ولو بطلب الصلاة ليقف الله مع أبنائه ، ويصمت ويحذو حذو صمت السيسى على آلام أقباط مصر .. حتى أصبحت الشفاه تتمتم فى صمت " الله يرحمك يا بابا شنودة "
جاء يسوع إلى مصر هاربا من الظلم ، ليكون نموذجا لحياة المظلومين ، و الجوعى ، و المذلولين ، و المحبوسين ، و المهمشين ، و المسحوقين ، و المرضى ، و المطرودين من شعبه أقباط مصر ، الذين نسمع صراخهم واستغاثاتهم كل يوم ، من خلال القنوات الفضائية ، حتى أصبح الحزن وطنا يسكنونه ، ويتكلمون لغته ويحملون جنسيته. إن أول مذبح كنسي في مصر كان بدير المحرق بأسيوط ، وهو الذي أسسه ودشنه السيد المسيح بنفسه. فهل يا قداسة البابا ، مصر بدون هذا المذبح ، تكون أفضل من أن المذبح يكون بدون مصر ؟؟ !!! .. هل تُفضِل مصر بدون كلمات الكتاب " في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر، وعمود للرب عند تخمها . فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر .. فيُعرف الرب في مصر، ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم ، ويقدمون ذبيحة وتقدمة ، وينذرون للرب نذرًا ويوفون به" (إش19 : 18-2) .. لقد كانت مقولتك " وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن " غير مبنية على أساس كتابى ، هذا غير المعانى الأخرى التى لا يحبها أبناء هذه الكنائس " وأستطيع أن أنفرد بمقال مطول شارحا هذه المعانى " .
إن هذه المنعطفات فى حياة القادة والكبار تزيد فى ركاكة القشرة النفسية ، وتحيلها إلى طبقة رقيقة لا تتحمل الزلازل التى سوف تتكون فى داخلها ، وفي باطنها منتظرهً لحظة الإنطلاق . وهنا لن نرى غير مساحات كبيرة من الندم ، وصرخات تطلب التغيير وهتافات " إرحل إرحل " .
يا إخوتى أنا أؤمن بأن من أرسل مرقس الرسول ، ليقيم مذابح للمسيح فى أرض مصر ، لن ينسى كنيسته ، وأن كرسى رسول المسيح مرقس ، دائما ما يصنع ويشكل الجالس عليه ، وإن لم يمتثل هذا الجالس لفظه هذا الكرسى ، الذى ثُبتت قواعده بدماء الشهداء .. وتاريخ كنيستنا واضح وبه الدروس والعبر .
ملحوظة : أعلم أن البعض سوف لا يسره كلماتى ولكنى أنا يهمنى بهاء كرسى مار مرقس الذى كما قلت قد ثبتت قوائمه على دماء الشهداء .. لذا فكنيستى أم الشهداء لها المكانة الأولى فى كل مفاهيمى .. ومن يجد أننى قد تخطيت بعض الخطوط فله حرية الرد بكل محبة وإتساع الصدر ..
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com