ملهاة إعلامية حسابية، جرت وقائعها مؤخرا على شاشات التليفزيون وفى بعض الصحف، بدأت بتصريح نقل عن اللواء كامل الوزير رئيس الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. إذ نسب له التليفزيون المصرى، وقناة التحرير وغيرهما، قوله إن الجيش انتهى من حفر ١٢٢ مليون كم مربع فى مشروع قناة السويس الجديدة. سخر الإنترنتيون من الرقم الذى اعتقدت فى البداية أنه زلة «كيبورد»، وبعدها نشرت قناة التحرير «توضيحا مهما» وغاضبا جاء فيه: «كما تعودنا دائما من الإخوان على التزوير والتزييف والتلفيق فقد تم نشر إعلان الجيش لحفر ١٢٢ مليون كم مربع بقناة السويس الجديدة، فيما علقت عليه صفحتهم الرسمية بأن مساحة مصر حوالى مليون متر مربع فقط» (بالمناسبة مساحة مصر مليون كيلو متر مربع وليست مليون متر)، وانتقدت المحطة الإخوان وأتباعهم «ممن توقفوا عن استخدام عقولهم».
عندها اتضح أن القناة تقف بصلابة خلف ما نقلته، وهو ما يدعو لمراجعة مبادئ الحساب، فى محاولة لحل لغز الرقم.
علينا أن نتفق أولا على أن الكيلومتر وحدة قياس للطول. أما المساحة فتقاس بالكيلومتر المربع، فيما تقاس الأحجام بالكيلومتر المكعب.
لا يمكن أن يشير رقم الـ ١٢٢ مليونا إلى قياس أطوال لأن هذا سيعنى أننا كنا نرسم خطاً، أو نحفر شقاً فى الأرض وليس قناة. المرجح إذن أن يشير الرقم إما لمساحة سطح الحفرة، أو لحجم الأتربة التى استخرجت منها.
لو افترضنا أن الرقم يشير للمساحة السطحية للحفرة سيعنى هذا أننا حفرنا ما يزيد على أربعة أضعاف مساحة القارة الأفريقية التى تقدر بنحو ثلاثين مليون كيلو مترا مربعا، وهو ما أستبعده.
الافتراض المتبقى هو أن الرقم يشير إلى حجم المحفور من الأرض. إلا أن هذا يعنى أننا حفرنا مصر كلها بعمق ١٢٢ مترا، أو شققنا قناة عرضها خمسمائة متر، وبعمق مائة متر، وبطول ٢٤٤٠ مليون كيلو متر تقريبا، يقتضى استيعابها على كوكبنا أن نحفرها حول محيط الكرة الأرضية لتدور حول كوكبنا ستين ألف مرة، وهو ما يعنى أن طول القناة التى حفرت حتى الآن يزيد بعض الشىء على الطول المزمع للقناة والمقدر بحوالى ٧٢ كيلومترا فقط.
أين الحقيقة إذن؟
لو راجعت الصحف ستجد أن بعضها التقط التصريح بشكل مختلف، وأن رقم ١٢٢ مليونا ورد فيه بالفعل ولكن فى سياق آخر. التصريح قال إن ما تم إنجازه حتى الآن هو تكريك أو حفر ١٢٢ مليون متر مكعب، بزيادة ١٨ مليون متر مكعب عما كان متوقعا. (إنتبه.. مترا وليس كيلومترا، ومكعبا وليس مربعا).
الفرق شاسع أحيانا بين ما يقال فى الواقع وما تنقله بعض وسائل الإعلام، ويتداول بين الناس دون قدر مناسب من التدقيق. وإذا كان هناك من فائدة أو درس فى القصة فهى التأكيد على إعلاء قيم المهنية وإرساء مبادئ التفكير العلمى. المسألة لا تحتاج لدراسة الذرة أو علوم الفضاء. وقصتنا لا تحتاج لأكثر من مهارات المرحلة الابتدائية من ضرب وطرح وقسمة. المنطق والتفكير العلمى ليسا ترفا، ودعم قيم الاحتراف فى كل مهنة ضرورة حتى لو اضطررنا للجلوس مرة أخرى على «دكك» تلاميذ الصف الثانى الابتدائى، نستذكر معهم جدول الضرب من أول مستوياته، ونغنى معهم فى الفصول: واحيد فييى واحيد بييييواحد، اكنين فى اكنين بارباااعة...
hosam@sokkari.net
نقلا عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com