بقلم د. غادة شريف
قبل أسبوعين يا حمادة ربنا أكرمنى واشتريت سيارة جديدة.. ولأن الحلوة عليها أقساط لذلك فأنا ركناها منذ استلمتها وبدأت أستخدم التاكسيات.. تسألنى طب اشتريتها ليه؟ أقولك علشان أشجع التاكسيات!.. لكن الأسبوع الماضى تلقيت دعوة كريمة من د. جابر نصار، رئيس جامعة القاهرة، لزيارته فى
مكتبه، فبالتالى عندما يكون المشوار للقاء رئيس الجامعة التى أعمل بها، فطبعا، لابد أن أذهب بالعربية الجديدة حتى لا يتبعثر برستيجى.. قبل ذهابى إليه ألقيت نظرة على المقالات التى كنت قد انتقدت فيها الدكتور جابر حتى أتذكر أنا هببت إيه بالضبط فأكون مستعدة، وبعد أن قرأتها تأكدت أن البرستيج
سيتبعثر لا محالة.. دخلت حرم الجامعة، وركنت بالسيارة تحت مكتب رئيس الجامعة.. ثم فكرت: افرضى يا بت الراجل حدفك من الشباك، سوف أرتطم بالعربية وسقفها هيتطبق.. فبصراحة خفت على العربية.. أصل الحلوة عليها أقساط.. فأدرت المحرك وركنتها بعيداً عن موقع الحادث المرتقب.. صعدت سلالم مبنى القبة، وكان الحرس واقفاً، فقررت فى سرى أن أعطيهم اسماً مختلفاً عن اسمى تحسباً لأى علقة منتظرة.. محدش عارف يا حمادة القدر
هيجيله من أى ناحية.. لحسن الحظ لم يسألنى أحد عن اسمى واكتفوا فقط بمعرفة وجهتى.. جلست قليلاً فى صالون الانتظار حتى نادانى السكرتير الخاص لمقابلة الدكتور.. وقفت على حيلى وذهبت للنافذة لألقى نظرة أخيرة على عربيتى.. أصل الحلوة عليها أقساط، يا ترى مين هيدفعهم من بعدى؟ ياللا يتصرف بقى، أنا كمان هاشيل الهم بعد ما اتكل؟.. خرجت من الصالون متوجهة للمكتب.. وسرت وحدى شريداً، محطم الخطوات.. ثم دخلت
المكتب ففوجئت بالدكتور جابر يستقبلنى بترحاب شديد لكنه حدفنى كلمة قائلا: «غريبة، شكلك لا يدل على شراستك فى الكتابة».. فقلت لنفسى ما بدهاش بقى الراجل شايل ولابد أن أبلفه، فأجبته ضاحكة: «الشراسة على الورق فقط، لكن طبعا حضرتك زعلان منى وتقريبا كده مش طايقنى»، ففاجأنى مرة
أخرى بأنه من المتابعين لمقالاتنا يا حمادة حتى من قبل أن تقل أدبك عليه.. ولأن انتقادى للدكتور جابر كان لموقفه السلبى من عنف طلاب الإخوان فى العام الدراسى الماضى وجدته حريصاً على استيضاح الأمر.. شىء صعب يا حمادة أن تقدم على وظيفة إدارية فى مؤسسة ما وأنت واثق من أنك تمتلك كل الرؤى والإمكانيات الإدارية لإنجاحها، ثم تفاجأ بالدنيا بتتشقلب من حولك وأنك مطالب بإمكانيات بوليسية لم تمارسها يوماً فى حياتك ولم تتوقع أن
الزمن هيحوجك لها!.. هكذا رأيت الدكتور جابر فى حواره معى.. فهو ما إن تولى منصب رئاسة الجامعة إلا وبدأت الإضرابات وبدأ عنف الطلبة الإخوان.. والكل كان خالع إيده.. الدكتور الببلاوى، رئيس الوزراء وقتها، والدكتور حسام عيسى، وزير التعليم العالى وقتها.. لكنهما قبل الخلعان قيدا
جميع رؤساء الجامعات بإصرارهما على عدم دخول الشرطة داخل الجامعات.. «كنت مكبل اليدين!» هكذا قال لى الدكتور جابر: «اضطررنا للاستعانة بحرفيين من داخل الجامعة ليقوموا بالدور الأمنى على البوابات رغم أنهم ليسوا مدربين على ذلك».. استشهد الدكتور جابر بالهدوء الملحوظ هذا العام، والذى نتج عن السماح للشرطة بدخول الجامعات.. د. جابر لفت نظرى إلى أنه رغم الصعوبات الأمنية إلا أنه تمكن من التركيز إدارياً مما مكنه من
إنفاق ٥٠ مليون جنيه على البحث العلمى، حيث أخبرنى بأنه يستهدف إعادة الجامعة لتصنيفها العالمى المتقدم الذى حققته قبل ثورة يناير مباشرة ثم خرجت منه بسبب الأحداث بعدها.. هذا الفائض أيضاً أتاح له التبرع لصندوق تحيا مصر بـ٢٠ مليون جنيه.. طبعاً يا حمادة لم تفتنى نقرزته بخصوص هذا التبرع عندما أشار إليه، وكدت أستحضر روح مارى منيب فى «حماتى قنبلة ذرية» وأعايره بأن اللى يحتاجه البيت يحرم على الجامع، فكان تبريره المقنع هو أن الجامعة بجانب دورها التعليمى والبحثى فهى أيضا منوطة بالمشاركة فى تنمية المجتمع، وإذا كان صندوق تحيا مصر سيوفر مشاريع
للشباب فكيف تتأخر الجامعة عن المشاركة فى المساهمة لمساعدة خريجيها؟.. فى النهاية مرت القعدة دون إراقة دماء، لذلك ابقى فكرنى أكتب على العربية «العين صابتنى ورب العرش نجَانى».
نقلآ عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com