عودة الأزهر للقيام بدوره من جديد لنشر الاعتدال والوسطية ونبذ التطرف والتشدد خطوة جريئة وإيجابية، يقدم عليها عالم جليل وشيخ عظيم، كثيرا ما أثبت بمواقفه الوطنية صفاء نياته، وحسن استراتيجيته، فى مواجهة جنوح المجتمع نحو التطرف، والتعامل بإيجابية مع التحديات التى تتعرض لها المنطقة العربية والعالم الإسلامى وليس المجتمع المصرى فقط، من خلال عقد مؤتمر لمواجهة الإرهاب والتطرف، وتشرفت بحضور جلساته، بدعوة من شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، باعتبارى عضوا فى بيت العائلة المصرية.
وأكد فضيلة شيخ الأزهر أن العالم العربى يواجه حالة غير مسبوقة من التوتر والاضطراب نتيجة ظهور حركات متطرفة تعتمد الإرهاب أداة لتنفيذ مآربها، فقد تعرض مواطنون آمنون إلى الاعتداء على كرامتهم وحقوقهم ومقدساتهم الدينية وتهجيرهم، وجرت هذه الاعتداءات باسم الدين، والدين منها براء.
ومشاركة البابا تواضروس فى فعاليات المؤتمر، وتأكيده مجددا على مقولته الشهيرة: «وطن بلا كنائس أفضل من كنائس بلا وطن»، وأن الكنيسة قدمت الكنائس قرباناً من أجل سلام الوطن أمر لا يمكن تجاهله، ويؤكد بوضوح عمق العلاقات بين الكنيسة المصرية والأزهر الشريف من جانب، وتوحد المسيحيين مع المسلمين فى محاربة التطرف من جانب آخر.
وما لفت نظرى فى فعاليات المؤتمر التأكيد على ضرورة تنقية المناهج التعليمية من أفكار التطرف والعنف، وأهمية اتخاذ مواقف واضحة تجاه خطابات الكراهية والتحريض على العنف، إلى جانب ضرورة توعية الإعلام بلعب دور إيجابى فى تدعيم أفكار المواطنة والحرية والكرامة والمساواة وتجريم التمييز.
ولا أحد يمكنه أن ينكر أن منطقتنا العربية أصبحت متهمة بتغذية أفكار التطرف فى العالم، بدلاً من أن تصل إلى الوحدة والتكامل على غرار الاتحاد الأوروبى، فى ظل توحد اللغة والثقافة والحضارة، ويعتبرها البعض مسؤولة عن تقديم أجيال جديدة متطرفة، وما يساعد على ذلك ما تنقله وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى من ممارسات وحشية تقوم بها الجماعات الإرهابية لترويع الآمنين باسم الدين، وانضمام مزيد من الشباب المصرى والعربى لهذه الجماعات، وجذب عناصر أجنبية متشددة كلها تدور فى فلك صدام الحضارات، وتقديم الأديان بشكل مغاير تماما عن الواقع، وهو ما يتطلب معه وقفة لمحاربة الإرهاب وفق استراتيجية محددة لا تقتصر على التعامل الأمنى فقط، وإنما بالفكر والثقافة وتسليط سيف القانون.
لعل اهتمام الأوساط العربية والدولية بفعاليات المؤتمر يثبت أهميته، وتأكيد المتابعين على استعادة الأزهر لهيبته وتأثيره ونفوذه، بعد أن حاولت قوى داخلية وإقليمية تهميش الأزهر، على غرار المحاولات الإيرانية أو التركية، التى تهدف لعرقلة تعاليم الأزهر السمحة والمعتدلة لحساب صراعات طائفية ومذهبية، وهو ما يترتب عليه الدفع بقوة لعودة الدور الريادى لمصر سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودعويا أيضا.
وحسنا ما أشار إليه أحد الكتاب بتأكيده على شعور الأزهر بالمسؤولية والمواجهة العلمية والفكرية مع الأفكار المنحرفة، ما يوضح خطورة المرحلة الراهنة، وضرورة توفر كافة السبل من أجل مواجهة حقيقية تبدأ بتنقية المناهج، ووقف خطابات الكراهية سواء فى منابر دور العبادة أو عبر وسائل الإعلام، وتدريب الأئمة والشيوخ على نشر مفاهيم المواطنة والحوار والتعددية، والكف عن استخدام المفاهيم التى تعمق الأزمة، وتنشر أفكاراً مغلوطة، تساهم فى تنشئة أجيال جديدة على أفكار العنف والتطرف، وتعيد عقارب الساعة للوراء، وتسمح للغرب باتهامنا بنشر العنف والتطرف ورفض الآخر.
المسؤولية تنبع من داخلنا، والتباطؤ فى المواجهة- كما حدث فى الـ ٤٠ عاما الماضية- أمر لا يمكن القبول به، وهو ما يتطلب قرارات جريئة وحازمة وسريعة، لتقديم صحيح الدين، وتعرية أفكار التطرف، وإبعاد كل الشخصيات المتورطة فى نشر التطرف من مواقعها التى تشغلها حاليا فى أجهزة الدولة والمؤسسات الدينية، ووضع استراتيجية حقيقية تبدأ من الآن فى محاربة التطرف، إذا كانت هناك جدية فى هذا!
* برلمانية سابقة وأستاذ العلوم السياسية
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com