بقلم/ هند مختار
يحتاج العمل السينمائي إلى مؤسسات ترعاه، بمعنى أنه يحتاج لجهة تنتج العمل الفني من بدايته منذ أن كان فكرة، وحتى يصبح داخل دار العرض يشاهده الجمهور..
فالعمل الفني يمر بعدة مراحل، يحتاج من وقت لأخر أن يُطَعَّم بوجوهٍ جديدة، وبكتَّابٍ جدد، ومخرجين جدد، وهؤلاء النجوم الجدد يحتاجون لرعاية ودعاية، والعمل الفني نفسه يحتاج لدعاية خاصة في فترات المنافسة العالية في المواسم الفنية الملتهبة، ومن النادر أن يكون هناك فرد واحد يفعل كل هذه المهام، لكنه موجود في التاريخ السينمائي المصري وهو: الممثل والمخرج والمؤلف والمنتج، ومكتشف المواهب الرائع.. أنور وجدي.
في التاريخ الفني في مصر والعالم كثيرون هم النجوم من شَغلَهم الفن، وأفنو عُمرَهم فيه من أجل أن يقدموا مايريدون، وأن يعبِّروا عن أفكارهم من خلال الفن، أيًا كان نوعه، لكن أنور وجدي حالة خاصة جدًا، فلم يكن يرى أمامه إلا الفن، والفن فقط، عقله وقلبه ووجدانه الفن، يخطيء في حق الناس ويؤذيهم من أجل الفن، ولكي ينجح ما يقدمه، يخسر مَنْ يخسر لأجل هذا الفن، هو بعبارة أخرى: "الفن مجسدا في إنسان"..
وُلِدَ محمد أنور وجدي الفتال في 11أكتوبر سنة 1904م، لأسرة من أصول سورية’ كانت تعمل في تجارة الأقمشة في مدينة حلب، وحينما جاءت الأسرة إلى مصر والتي ولد فيها بالقاهرة، تفتّحت عيناه على الفن والسينما فيها، وبسبب هذا الهَوس الذي أصابه بالسينما والفن عمومًا، لم يستطع أن يُكمل تعليمه، مما أدى إلى أن يغضب عليه والده غضبًا شديدًا، وقام بطرده من المنزل..
لم يهتم أنور وجدي بهذا، وتشرد وتصعلك في القاهرة وشوارعها وحواريها، فشاهد الأفلام ودخل المسارح، وأقام في حجرة فوق السطوح مع الرائع أيضا "عبد السلام النابلسي"...
قام أنور وجدي بأول أدواره الفنية مع الرائع "يوسف وهبي" في مسرحية يوليوس قيصر، وكان دوره في المسرحية أشبه بأن يكون قطعة ديكور، فكان دوره هو أن يرتدي ملابس عسكري روماني يقف بظهره طوال المسرحية، ولم يرفض وقَبِلَ أن يقوم بدور قطعة الديكور تلك، والتي يُطلق عليها مجازًا "كومبارس"، وكان أجره عن هذا الدور أربعة جنيهات في الشهر...
واستطاع بخفة دمه وجاذبيته وحضوره أن يلفت نظر يوسف وهبي، فأسند له بعد ذلك عدة أدوار في عدة مسرحيات من إنتاج فرقة رمسيس..
في عام 1935م، تم تعيينه في الفرقة القومية للمسرح، والتي كونتها الحكومة بمبلغ قدره ثلاثة جنيهات..
بدأت علاقته بالسينما سنة 1932م، في دور صغير في فيلم (العزيمة) من إخراج كمال سليم، أول بطولة له في السينما سنة 1939م، في فيلم (بائعة التفاح) من إخراج حسين فوزي وفي عام 1944م، لعب بطولة فيلم (كدب في كدب)..
ومن عام 1935م، وحنى عام 1945م، عمل أنور وجدي في 14 فيلمًا، كان هو القاسم المشترك فيها..
قلنا في البداية أن والد أنور وجدي سوري وبائع أقمشة، ومشهور عند أهل الشام براعتهم في التجارة بشكل عام، ولذلك استقال من الفرقة القومية وأسس شركة الإنتاج الخاصة به، وكان من جرأته الفنية والتجارية أن يكون أول فيلم للشركة من إنتاجه وإخراجه لمعجزة زمانها، صاحبة أرق طلة وأعذب صوت "ليلى مراد"، وكان فيلم (ليلى بنت الفقراء)، وشارك في البطولة "سليمان نجيب وماري منيب" وبالطبع هو أيضًا..
حقق الفيلم نجاحًا مذهلاً أضاف لمؤسسة أنور وجدي الفنية مهن أخرى هي: التأليف (كتابة السيناريو)، والإخراج، بالإضافة طبعًا للإنتاج والتمثيل.. وقدَّم مع ليلى مراد أروع الأفلام (قلبي دليلي- عنبر- حبيب الروح- والفيلم المعجزة "غزل البنات") والذي استطاع أن يجمع فيه كل نجوم العصر بدءً من ليلى مراد ونجيب الريحاني وفريد شوقي، وحتى الذي لن يتكرر محمد عبد الوهاب في أغنية (عاشق الروح)...
الحب الحقيقي في حياة أنور وجدي أعتقد أنه كان للراحلة جميلة السينما المصرية ليلى فوزي، والذي تقدم لخطبتها في بداية حياته، ولكن والدها رفض لأنه كان فقيرًا، وفضَّل عليه المطرب عزيز عثمان (لو مش فاكرينه فاكرين أغنية "بطلوا ده واسمعوا ده" غنَّاها في فيلم لعبة الست) ولكنه سوف يعود ليتزوجها..
تزوج الفنان أنور وجدي من الفنانة ليلى مراد سنة 1945م، أثناء تصوير أول أفلامهما معًا (ليلى بنت الفقراء)، وتم زواجهما فعليًا في مشهد الزواج في الفيلم، واستمر الزواج لمدة سبع سنوات مابين شد وجذب من الطرفين، حتى أنتهى بالطلاق..
ولقد قدمت ليلى مراد وأنور وجدي أشهر الثنائيات في تاريخ السينما مثل: (ليلى بنت الأغنياء- بنت الأكابر- حبيب الروح- عنبر- غزل البنات ..."
ظهر المرض على أنور وجدي سنة 1954م، وكان يمثل مع صباح فيلم (خطف مراتي)، وكان أمامه فريد شوقي وليلى فوزي والذي تجدد الحب بينهما مرة أخرى، وتم الزواج بينهما وتحقق الحلم القديم...
وأكمل أنور وجدي فكرة المؤسسة الفنية باكتشافه وإحتضانه لمعجزة السينما المصرية، والتي لم تأتِ مثلها حتى الآن الطفلة "فيروز"، والتي قدم معها فيلمين هما: (ياسمين، دهب)، والتي حينما انفصلت عنه وتركته وقدمت فيلم (فيروز هانم) فشل الفيلم فشلا ذريعًا.
يُحكى أنه في إحدى الليالي كانت هناك مأدبة عشاء في منزل أحد الفنانين، وكانت الفنانة فاطمة رشدي على حسب ما أذكر حاضرة، وجاء أنور وجدي يتحدث عن أحد الأغنياء وفخامة سيارته، وكيف أنه يمتلك نصف مليون جنيه في ذلك الزمن، فقالت له: إن هذا الرجل مريض بالسرطان، فقال أنور وجدي: (أنا عايز نص مليون وجنيه والسرطان)، وقالت فاطمة رشدي: أنا عايزة الصحة والستر.. وقد تحقق لهما ما أرادا، فقد مات أنور وجدي وهو يمتلك نصف المليون جنيه وقد مرض بالسرطان، والذي أودى بحياته بعد أربعة أشهر فقط من زواجه من حبه الأول ليلى فوزي..
وقد توفي أنور وجدي خارج مصر، وتحديدًا في "ستوكهولم" عاصمة السويد، أثناء قضاءه شهر العسل هناك، وعاد جثمانه في الطائرة والتف الجميع حول ليلى فوزي يواسونها، وتركوا الجثمان في حراسة الخواجة "ليون" -مدير مكتبه- بالمطار، والذي أخذ الجثمان لمكتبه، فوجد المكتب مغلقًا، فذهب لمنزله فوجده مغلقًا أيضًا، فبات مع الجثمان في ميدان التحرير حتى الصباح، ودُفِنَ في الإمام الشافعي في 15مايو سنة 1955م.
كنت أقول أن الفن كان يتملك عقل وقلب أنور وجدي بشكل غير مسبوق، لأنه اتهم ليلى مراد بأنها جاسوسة يهودية تتعامل مع إسرائيل، نكايةً فيها حتى لا تعمل فنيًا وتنافسه، وهو تصرف خاطيء، لكنها عقلية التاجر في المنافسة، والتي تطغى أحيانًا على كل الأعراف..
أيضًا أثرت أيام التشرد والصعلكة والفقر عليه، فكان المال الذي يدخل خزانته لايخرج منها أبدًا، حتى أنه خصم مبلغ عشرون جنيهًا من يوسف وهبي عن أجره في غزل البنات لأن يوسف وهبي لم يعطهم لأنور وجدي حينما كان ممثلاً صغيرًا أمام يوسف وهبي...
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com