بقلم : مينا ملاك عازر
أعلن الرئيس السيسي عن شروعه في تأسيس أربع مدن أو قرى أو كيانات أو قل تجمعات للمعاقين، قل لذوي القدرات الخاصة كما يحب ويحلو للرئيس السيسي أن يطلق عليهم، وهو في ذلك غير موضح لنا ماهية تلك الكيانات الأربعة التي ستحظى محافظات قنا والإسماعيلية والقاهرة والأسكندرية بشرف استضافتهم، وهو ما قد يوحي بارتجالية القرار أو على الأقل بغموضه، هذا في حال ما إذا كان القرار واضحاً في ذهن الرئيس وغير واضح في عيوننا.
على كل حال، سواء غموض القرار أو ارتجاليته، هذا يعطيني مؤشر خطير بأن مستشاري السيسي في هذا القرار كانوا مستشارو السوء إذ لم ينبهوه أن القرار بهذه الطريقة في الإعلان يبدو غامضاً ومرتجلاً أو أحدهما بل زاد سوءهم في أنهم تركوه يتخذ قراراً أو أشاروا عليه به دونما أن يفهموا ما سيلي شرحه.
لو كانت تلك الكيانات كيانات سكنية مثلاً فهذا في مضمونه عزل للدولة لذوي الإعاقة في كيانات منفردة على غرار مستعمرة الجزام مع إن إعاقتهم في الغالب غير معدية إلا إذا كان المقصود الإعاقة الذهنية ويخشى البعض من مسؤولي هذا البلد أن ينكشف إعاقتهم حال مقارنتهم بأحبائنا المعاقين ذهنياً، وفي هذا أيضاً الإعاقة ليست معدية وإنما كاشفة بان هناك من يعانون منها ويتولون مناصب بمصر للأسف، أما ولو كانت الكيانات كيانات تعليمية ففي هذا أيضاً عزل، وتناقض مع سياسة الدولة الرامية للدمج في مجال التعليم، ولنرجع لقرارات وزارة التعليم غير المُطبقة بشكل عام في أرض الواقع بخصوص التعليم، وهي القرارات الصادرة منذ عام 2009، والتي تعاني من صعوبات كثيرة للتطبيق، كان أولى للرئيس السيسي أن يدعم المدارس الحكومية بأموال تتيح لها تطبيق تلك القرارات. ولو كانت الكيانات الأربع كيانات ثقافية ففي هذا أيضاً عزل لأولائك أصحاب القدرات الخاصة عن المجتمع، وتخيلوا لو انعزل طه حسين عميد الأدب العربي لحُرِمت مصر من أن يتولى منصب وزير المعارف وقتها –التربية والتعليم بمصطلحنا الآني- ولحُرمت مصر من مَن وضع قاعدة أن التعليم كالماء والهواء وقتها حيث كان غير ملوثاً وبالمجان، ولحرمت من كاتب أديب رائع في مجال الثقافة تفوق على الكثير من أقرانه المدعي أنهم أسوياء. أما ولو كانت الكيانات الأربع كيانات رياضية ففي هذا أيضاً عزل، فياليتك سيادة الرئيس أهلت أندية ومراكز شباب مصر لاستضافة أصحاب المواهب الرياضية من ذوي القدرات الخاصة ليُحفزوا بوجودهم فيها المُدعين بأنهم أسوياء لتحقيق إنجازات، والتدريب بجدية ليتفوقوا كنظرائهم ذوي القدرات الخاصة، ويحصلون على ميدليات في لعباتهم.
سيادة الرئيس، اسمح لي أن أقوم بدور مستشار صادق، لا يريد أن يفتي وهو جاهل، كذلك الجاهل بأنه جاهل، فورطك في قرار إتحرج كثيرين في معارضتك فيه، وأسمح لي أن ألفت نظر سيادتكم إلى ما هو آت:
أن معاقي مصر يعانون من عدم القدرة على المشي والتنقل في شوراع المحروسة، وعدم القدرة على ركوب سيارات النقل العام بأريحية، أعرف أن هذا يقع على كل المواطنين ببلدنا الحبيب، لعدم وجود أرصفة، وعدم احترام السائقين للركاب، لكن تخيل هذا، متى وقع على المعاق، كم يعاني؟ سيادة الرئيس، أهل الشوارع والمباني الحكومية والموظفين للتعامل مع ذوي القدرات الخاصة بأموال الكيانات الأربع أفضل من عزلهم في أي مجال، أهل منشآت رياضية لاحتوائهم أفضل من عزلهم بعيداً عن المجتمع الرياضي الفاشل الذي نراه ونعاني منه، أهل المكتبات بأجهزة تتيح لهم قراءة الكتب وهي متوفرة بالخارج بالمناسبة ليقرأوا ويبدعون، أهل اللجان الانتخابية بوسائل تتيح لهم التصويت بأريحية مطمئنين أن صوتهم وصل لمن يريدوه، أهل مجلس الشعب القادم لتستوعب قاعاته حركة ذوي القدرات الخاصة المحتم دخولهم المجلس القادم، اطبع الدستور بطريقة برايل على نفقة الدولة ليكن متاحاً للمكفوفيين لقراءته ومعرفة حقوقهم، أهل الجامعات المصرية لاحتوائهم وتقديم الكتب الجامعية وإتاحة كتب المكتبات الجامعية ليصلوا إلى أعلى الدرجات العلمية، لعلنا نرى منهم طه حسين جديد يجلس على كرسي طه حسين العميد الذي منذ هجره إياه والكثير من المدعين أنهم أسوياء يجلسون عليه.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com