حادثة المرأة الإرهابية المنتقبة في الإمارات فتحت باب الأسئلة حول تحول نوعي في آليات التجنيد من الاستقطاب المباشر إلى التجنيد عبر الإنترنت وخلق شبكات وخلايا نائمة، إلى تشرب أفكار ومفاهيم عنفية والتحول إلى الفعل الإرهابي من دون تدخل من طرف آخر، بمعنى أن ترسانة «التطرف» فكريا وعمليا بما في ذلك إنتاج الأسلحة والمواد المتفجرة والتفخيخ باتت على بعد نقرة زر من أي جهاز حاسوب أو أحد الهواتف الذكية.
إلا أن مثل هذا الحدث الفردي يقودنا إلى إعادة النظر في مكافحة التطرف فكريا ومقارعة ذلك الإرث الكبير من العنف والدم بإعلام متسامح محب للحياة ويستطيع تقريب مفاهيم التعايش والاعتدال الفكري بلغة مبسطة وبأشكال وصيغ مختلفة، كيف يمكن أن نجد إعلام «داعش» وقبله «القاعدة» وأخواتهما يجمع كل تقنيات العالم ويصبها في محتوى عنفي دموي وبأشكال تلائم الأطفال والكبار وبكل أشكال الرسالة الإعلامية مقروءة ومرئية ومسموعة وعبر صيغ الإعلام الجديد، بينما لا نجد سوى إعلانات التحذير من الإرهاب القصيرة على طريقة التحذير من التدخين أو السمنة.
الحدث الجلل هو إعلان الداخلية السعودية القبض على 109 سعوديين، و26 آخرين من 9 جنسيات مختلفة، كانوا ضمن مجموعات مشبوهة فرّقها الانتماء الفكري ووحّدها الإرهاب، ويقف من خلفهم دول وتنظيمات إرهابية.
هذه الدقة المحمودة في بيان الداخلية تقودنا إلى طرح السؤال الأهم عن التحول الأبرز لمسيرة الإرهاب ما بعد ظهور «داعش» على أنقاض الربيع العربي؛ فالبيان يؤكد بقاء أسلوب الخلايا النائمة وانبعاثها في توقيت يساهم في استقطاب المزيد عبر العائدين من مناطق التوتر واتصالهم بالرفاق القدامى، وعبر التجنيد الإلكتروني وشبكات الإنترنت، لكن الخلط بين مجموعات عنفية متضادة آيديولوجيا كالميليشيات الشيعية والمجموعات المسلحة السنية يعني أن الفضاء الإرهابي بكل مكوناته وكتله وكوادره العنفية قد تحول إلى أدوات بأيدي الاستخبارات لدول من مصلحتها بقاء حالة الفوضى في مناطق التوتر وتوسيع دائرة الخراب إلى الدول المجاورة وعلى رأسها السعودية وبقية دول الخليج، وبالتالي فإن الاتحاد على هذا الهدف رغم اختلاف المشارب الفكرية والمآرب الحركية يعني أننا أمام مرحلة جديدة عنوانها العريض انبعاث الخلايا في المنطقة وتفجير الأوضاع، وهو ما سيلقي بالعبء والمسؤولية على القطاعات الأمنية، ولذلك استشعر وزير الداخلية السعودي هذا التحول الخطر في مسيرة الإرهاب وطالب رجال القطاعات الأمنية «بالمزيد من اليقظة». الملمح الآخر الذي لا يقل خطورة هو تحول مناطق التوتر كالعراق وسوريا والحدود التركية من مرتع للإرهاب والحركات والميليشيات المسلحة إلى مصدر ومنتج لمزيد من العنف والتحول من أرض مستهدفة بالعمليات الإرهابية إلى أرض خصبة لتصدير الإرهابيين إلى الدول المجاورة والعالم.
واللافت أن هذه المجموعات المجندة يتم ترحيلها مجددا إلى بلدانها الأصلية بعد تدريبها من دون أن تشارك في القتال في مناطق التوتر التي يسيطر عليها «داعش» التنظيم الذي ساهم في تجسير الفجوة بين مختلف الفصائل والميليشيات على أساس هدف مشترك وهو تقويض استقرار دول المنطقة.
هذه البانوراما والمزيج المخضب بالدم القاني من الجنسيات المقبوض عليها من أفريقيا واليمن والسعودية وباكستان والشام، وربما تتكشف جنسيات أخرى، يقودنا إلى القول بأننا إزاء جيش إرهابي عالمي يتشكل ببطء وقد تعاني المنطقة في السنوات المقبلة من سيولة كبيرة في منسوب المتطرفين المنضوين تحت لواء التغيير المسلح سواء اتخذ شكل «داعش» أو ميليشيات شيعية أو حتى أحزاب سياسية تستبطن العمل السياسي لكنها تستغل حالة الفراغ الأمني لإعادة إنتاج نفسها.
هل نحن أمام مرحلة صعبة؟ بالطبع.. لكنها ليست مستحيلة في حال تكاتف الجهود والبداية من نقطة الصفر: مؤتمر دولي للإرهاب الجديد برؤية غير منحازة أو تجزيئية تعالج أعراض مرض الإرهاب الفتاك لكنها تترك الجذور والمسببات، هذه الاستراتيجية التي جربتها الولايات المتحدة منذ الحادي عشر من سبتمبر كبدت العالم المزيد من الخسائر ولم تقضِ على الإرهاب بل جذّرته وجعلته ينتقل من الخيار الفردي المتطرف إلى موجات اجتماعية جاذبة يصطلي بنارها الكبار والصغار ومن كل شرائح المجتمع.
الإرهاب يتطور ويتعملق ويزيد من رقعة انتشاره ويجدد في أساليبه وتكنيكاته، بينما يزداد العبء على القطاعات الأمنية التي يجب أن تحظى بدعم أكبر ويجب تحويل ملف الإرهاب إلى هاجس شعبي واجتماعي يشارك الجميع في محاربته.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com