سمير حبشـــــــــى
بينما كانت ترتعد السنابلُ بين أحضان الربيعِ .. ويهرب رعاة إلى أحضان النار للدفء من الصقيع .. وتكفرُ بهم اللحظات من الملل بالليل الطويل .. وحين كان ينتفض المساءُ على رتابة المساء .. وحين كان يسمع حشرجات البوح بهبوب العاصفة المثقلة بالثلوج فى أخاديد الدروب والوديان .. وبينما الإنسان مذعورا مدحورا ، غريبا ، مغربا ، ملعونا ، كوردة سوداء مشبوحة على صليب الحاضر المجهول ..
يخشى اللعنة التى تتبعه منذ أن عصى الخالق ، وأكل من الشجرة ليعرف الخير من الشر .. " أشرق نور على المسكونة ، وظهر ملاك للرعاة قائلا لهم ( لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب ،أنه ولد لكم اليوم في مدينة داوود مخلّص هو المسيح الرب .( لوقا ( 2 : 1-10 ) .. وولد ملك الملوك وإله السلام فى مزود للبقر ..
لأنه كما يقول الكتاب " لم يكن لهما موضع في قاعة الضيوف ". ولأن كلمة من كلامه لا تزول ، فهو المسيّر للتاريخ البشري ، والمهيمن على الأحداث. لقد جعل أغسطس قيصر إمبراطور روما يصدر أمراً لإحصاء عام ، ذهب بموجبه يوسف مع خطيبته مريم إلى بيت لحم في فلسطين. وهناك وُلد الطفل يسوع . وتمت النبوءة التي كانت على لسان ميخا النبي منذ أربعة قرون .
تنبأ ميخا عن مكان ولادة المسيح بقوله: " أما أنت يا بيت لحم أفراتة مع أنك قرية صغيرة بين ألوف قرى يهوذا، إلا أن منك يخرج لي من يصبح ملكا في اسرائيل وأصله منذ القديم،منذ الأزل" (ميخا 5: 2) (ميخا 2:5). وكان تحقيق هذه النبوءة هو الختم والبصمة الإلهية على صدق كتابه المقدس .. وقال الرعاة " لنذهب الآن إلى بيت لحم ، وننظر هذا الأمر الواقع الذى أعلمنا به الرب " (لو2: 15) كانوا بسطاء ، ولكنهم يمتلكون فيض المشاعر،وكانوا فقراء ، ولكنهم يمتلكون غنى الإشتياق، قدمَوا قلوبهم لتكون مهداً لمولود المذود العظيم ، وقدَموا بساطتهم وتواضعهم فأعطاهم الله بصيرة .. فرأوا وفرحوا، ثم خبّروا وبشَرّوا..
وأضاء فى السماء نجم لم يرى أحد مثله ، ليقود الأمراء القادمين من أقاصى المسكونة والمعروفين بالمجوس " وأتوا إلى المزود ، ورأوا الصبى مع مريم أمه ، فخرَوا وسجدوا وقدموا له هدايا ذهباً ولباناً ومراً " جاءوا متطلعين للمعرفة الحقيقية، فسجدوا فاتحين كنوزهم، وقدموا قلوبهم ومشاعرهم قبل ذهبهم ، فأغناهم الرب غنى جزيلاً بالمعرفة التى اشتاقوا إليها ..
وقدموا صلواتهم وتضرعاتهم قبل لبانهم وبخورهم، فانجلت البصيرة ورأوا مجد الرب .. جاء يسوع من وراء الشفق الأزرق ، لا ليجعل الألم رمزا للحياة ، بل جاء ليجعل الحياة رمزا للحق والحرية والحب والمساواة .. جاء كعاصفة سمحة تكسر بحبها جميع الأجنحة المعوجة. هذا هو يا أخوتى الفرح الذى يُغلف العالم أجمع هذه الأيام ..
مولد طفل المزود ملك السلام والذى تنبأت عنه المزامير قائلة " وَتَخَافُ سُكَّانُ الأَقَاصِي مِنْ آيَاتِكَ. تَجْعَلُ مَطَالِعَ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ تَبْتَهِجُ. 9تَعَهَّدْتَ الأَرْضَ وَجَعَلْتَهَا تَفِيضُ. تُغْنِيهَا جِدًّا. سَوَاقِي اللهِ مَلآنَةٌ مَاءً. تُهَيِّئُ طَعَامَهُمْ لأَنَّكَ هكَذَا تُعِدُّهَا. 10أَرْوِ أَتْلاَمَهَا. مَهِّدْ أَخَادِيدَهَا. بِالْغُيُوثِ تُحَلِّلُهَا. تُبَارِكُ غَلَّتَهَا. 11كَلَّلْتَ السَّنَةَ بِجُودِكَ، وَآثارُكَ تَقْطُرُ دَسَمًا." (مزمور 65: 8- )
.. ولكن هناك فى جعبتى سؤالا خبيثا يؤكد مدى سعادة البشرية ، وعظم الرحمة والمحبة الإلهية .. ولأطرحه عليكم يا أخوتى وهو : كيف سيكون العالم لو لم يولد طفل المزود المُخلِص إله السلام ؟ !!!! .. والإجابه يا إخوتى واضحة للجميع ، ولا تحتاج مجهود للتنبؤ بها .. كان قد خيَم على العالم الشيطان بجناحيه ، ليهيمن على العالم ويسيطر عليه ، وكان سيُغتال العدل فى كل مكان ، ولا يجد موضعا لقدميه بين الإنسانية ، وتُصلب المحبة على صليب الأعمال الهمجية ، وتساس الدول والشعوب بقوانين الشريعة الإسلامية .
وتصبح القوانين السائدة " اعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم .. ويغمر العالم طوفان النجاسة وعدم العفة وتختفى الطهارة خجلى ، ووراء أجنحة الشيطان ستختفى آيات النور " من نظر إلى إمرأة واشتهاها فقد زنى بها فى قلبه " وكان سيعم العالم قانون إباحة الجنس " تزاوجوا تناكحوا إنى مباهى بكم يوم القيامة .. مثنى وثلاث ورباع وما ملكت أيمانكم .. ومن بين أنواع الزنى المسمى بالزواج العرفى ، وزواج المتعة ، والمسيار ، والصباحى ، والمحلل والذى يُطلب فيه من الزوجة المطلقة طلقة بائنة بأن تعاشر رجلا أخر حتى يُسمح لها بالرجوع لزوجها مرة أخرى ، وأسماء أخرى كثيرة ..
ثم يتوه الإنسان فى دوامات الفتاوى والجهل .. فهذا بول البعير فيه شفاء لأمراض البشرية .. وبول الرسول للتبرك ـ ثم رضاعة الكبير .. وعدم نوم السيدات بجانب الحائط لأنه مذكر، وعدم الجلوس على الكرسى ، وآلاف من الفتاوى التى ستُخيم على حياة الإنسان وليس له منها مهربا .. ثم يعود الإنسان القهقرى إلى قانون عين بعين وسن بسن .. ويصير القتل باسم الله من الحسنات التى ترسل صاحبها فى التو للجنة ، حيث ينتظره سبعة وسبعون حورية ، هذا عدا الغلمان لتهيئة المزاج ، حسب قوانين المجتمعات الإسلامية ، وسيُشهر الظلم سيفه فى وجه الحق الذى سيُراق دمه بقانون : أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما
.. وسوف نرى ونسمع عن إمرأة هنا أو إمرأة هناك، ملفوفة بثوب أبيض مثل الكفن، نصف جسدها في حفرة الرجم، والنصف الظاهر يترنّح من ألم القذف بالحجارة جرّاء حكم قضائي صادر ومصدق للشريعة الإسلامية . لا أحد يسمع صراخها، وبالتأكيد لن يسمع أنينها أحد والرأس ينزف دما ، إلى أن يهمد ويسقط على أكتافها وتصبح جثة هامدة . وبعض العالم يرى ويصيح : هذا هو الإسلام .. " كانت الإنسانية ستُحرم من كلمات إله المحبة - هل أدانك أحد ؟ ولا أنا أيضا أدينك . إذهبى ولا تعودى تخطئى " ستطبق الشريعة التى ستجعل أكثر من نصف المجتمع مقطوعى الأيدى حسب حد السرقة .. ..
ثم ستختفى جميع حقوق الإنسان ، والتى ستتحوصل فى الدمج الكامل للسلطات الدينية والدنيوية في دولة مسلمة ، و العودة إلى الماضى المؤلم حيث يسيطر عليه حروب العصابات المسماة بالغزوات ، ستقودنا الأيام إلى الزمن النبوي حيث خير القرون كما يدعون ، وهو ما أدى إلى خيبة أمل وجاهلية وتأخر جميع البلاد الإسلامية .. وكل ما يحمل الحب من النبع الخالد سيحولونه إلى سجون للعقول وللأفكار ولأنوار المعرفة .. لدىَ يا إخوتى ألف حكاية وحكاية من نسيج أكثر من ألف عام من التاريخ المرزول والمنسوج على الجواري الحسان ، وهذا منبع استلهامات لا يستطيعوا أن يواروها " فلا حياء في الدين " كما يزعمون
. لا يوجد بين كافة الأديان خيال ديني أطنب أو أخصب في وصف شهوات الجنّة بسحر خيالهم الجامح حيثما الشهوات بلا حسبان، ولا خجل ولا كتمان .. أعرفتم يا أخوتى الآن لماذا ترقص قلوبنا وتسبِح أرواحنا فرحا بميلاد طفل المزود .. بقى لكم معى همسة .. أنه لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى ، ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الأديرة والصوامع، ويستهوي الرجال الأشداء ، ليقودهم قساوسة ورهبانا..كما فعل محمد والصحابة .. بل جاء ليجعل قلب الانسان هيكلا ، ونفسه مذبحا ، وعقله كاهنا. هذا ما صنعه يسوع الناصري ، وهذه هي المباديء التى زرعها على أرض واقعنا ، الذى للأسف نغمض أعيننا عنه بلا استحياء .. كل عام وأنتم بسعادة وخير ، وقلوبكم مزود للطفل يسوع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com