عزمي إبراهيم
ألقي الشيخ إبراهيم صالح الحسينى، مفتى نيجيريا كلمة في "مؤتمر الأزهر، لمواجهة العنف والتطرف" أفتى فيها بتكفير حركة "داعش". فما كان من الأزهر إلا أن أصدر بياناً مشيراً إلى أن الشيخ إبراهيم صالح الحسينى لم يفت بتكفير "داعش" أو غيرها، وإنما يوضح أن أفعال هؤلاء ليست أفعال أهل الإسلام، بل هى أفعال غير المسلمين، ولم يُلزم هذا الحكم بكفرهم. كما أضاف وكيل الأزهر، الدكتور عباس شومان إلى ذلك، أن الأزهر كمؤسسة لم يحكم بكفر "داعش" ولا يحق له ذلك، مضيفا أن وسائل الإعلام ادّعوا باطلا أن الأزهر كفر بعض الأدباء والمفكرين، وهو ما يعد جهلا منهم بتاريخ الأزهر.
ومقالي هذا هو تعليقي على عدة نقاط جذرية تؤخذ على الأزهر في موقف شيخه وشيوخه في هذا الأمر.
النقطة الأولى هي زج الأزهر للإيمان والكفر بلا مبرر في قضية إرهاب وإرهابيين!!
هاج وماج الكثيرون في أنحاء الميديا غضباً واعتراضاًعلى عدم تكفير الأزهر لتنظيم داعش. ولست أدري، أولاً، لماذا يزج الأزهر فكرة الإيمان والكفر في تقييمة لإجرام مجرم. هل يعنينا أو يعني شيوخ الأزهر في الحكم على اللص أن يكون أنيقَ الملبس أو مُهَلهَله، "مُسَبْسَبَ الشَّعر أم "مُشَوَّشَـهُ". أو هل من الأهمية أن نسأل عن القاتل ذي الأيدي الملطخة بدماء ضحاياه أيواظب هو على أداء الصوم والصلاة ودفع الزكاة أم لا!!
لم يكن من المناسب ولا الضروري أن يشير بيان الأزهر إلى إيمان أو كفر داعش بل كان الأجدر به يكتفي بتجريم أعمال داعش. فلا أعتقد أن إيمان داعش أو كفره مقياسٌ في القضية ولا أنه يهم العاقلين العادلين.
النقطة الثانية هي زج "غير المسلمين" دون مبرر في موقفه من أعمال "داعش المسلم" الإرهابية!!
لم يكتفِ الأزهر بزج إيمان داعش دون مبرر في بيانه عن قضية إجرامية عالمية، بل زج أيضاً تعبير "غير المسلمين" دون مبرر بقوله أن "أفعال داعش ليست أفعال أهل الإسلام، بل هى أفعال غير المسلمين". ولست أدري ما دخل غير المسلمين في هذا الأمر. إن من قاموا بهذه الأفعال هم من "أهل الإسلام". هم "مسلمون" وليسوا "غير مسلمين". بل على النقيض، فأسوأ أعمال رجال داعش "المسلمين" الإجرامية وُجِّهت إلى المسيحيين "غير المسلمين". فـ"غير المسملمين" هنا هم ضحايا داعش "المسلم المؤمن". فبيان الأزهر كالعادة عنصريّ المضمون، أو على الأقل عنصريّ التعبير.
لو نسي الأزهر حريق القاهرة في يناير 1952 على يد الأخوان المسلمين، وما تلا ذلك من جرائم عبر السنين، فكيف يتناسى ما فعلوه من قتل وحرق وتفجير وتخريب في مصر كلها في أغسطس 2013. وكيف يتناسى ما تفعله حماس والقاعدة وطالبان وبيت المقدس وغيرهم عشرات وربما مئات من الجماعات "الإسلامية". أليس هؤلاء وداعش "مسلمين" أم هم من "غير المسلمين"!!!
"غير المسلمين" يا فضيلة الشيخ لم يفعلوا ما يفعله هؤلاء. وهنا ألدّ عدوين في نظر العالم الإسلامي: إسرائيل وأمريكا. إسرائيل في أعنف مواقفها منا لم تفعل بنا ما تفعله داعش، ولو كانت فعلت فقد كنا في حرب معها، أما داعش فلم نكن في حرب معها وهجوماتها غزو واغتصاب من طرف واحد. وأمريكا كَرَدّ فعلٍ منها لقيام تنظيم القاعدة الإرهابي بتدمير بُرجَيّ التجارة بنيويورك وقتل أكثر من 3000 بريء، لم تفعل بأفغانستان ما تفعله داعش. ولكن يبدو أن تعبير "غير المسلمين" يسهل زجه دون مبرر لتمييع القضايا. وذلك وسيلة من يتهرب من مواجهة الحق الواقع فيحاول توجيه الأنظار والأفكار نحو أمورٍ أخرى لا دخل لها بالأمر المعروض.
إن "غير المسلمين" كفار في نظر الأزهر حتى لو لم يقتلوا نملة، ولم يسرقوا حَبَّة سمسم، ولم يخدشوا حياء طفل أو إمراة. لكن المسلمين "مؤمنون" حتى لو قتلوا وزنوا وسرقوا وعاثوا في بلاد الله شراً وعنفاً وفسادا... فيظلوا "مؤمنين" مُقدَّرين من الأزهر!!
النقطة الثالثة هي ضبابية الأزهر في مواقفه من الإرهاب والإرهابيين في السنوات الأخيرة!!
لا يعنينا أن يحجم الأزهر عن تكفير داعش. ما يعنينا هو عدم إدانة الأزهر لأفعال داعش الإجرامية بحزم وقوة وصراحة ووضوح. فمواقف الأزهر تجاه الإرهابيين في السنوات الأخيرة مواقف ضبابيّة رخوة. أسأل، كم جريمة دموية وتخريبية، وكم مصيبة ومأساة إنسانية إجرامية يحب أن تحدث من شخص أو جماعة حتى تختلج لها مشاعر الأزهر كما تختلج وتلتهب مشاعر المصابين بها، والمهتمين بإيقافها.
داعش يَغزو أوطاناً ويُرهبها ويَهدر حدودها ويَقتنص أراضيها ويُفتت وحدتها ويُعلن أنه مالكها وملكها وحاكمها عنوة وقسراً. داعش يدمر مدائناً، وفي طريقه لاقتناصها يهدم ويحرق عشرات المنشئات والمساجد والكنائس والمعابد والمنازل ومحال أعمال الأبرياء. ويسرق ويسلب ويخطف وينهب ما للغير عنوة وقسراً ويقتل أبرياءاً، مسلمين ومسيحيين، ويهود، سوريين وعراقيين وأكراد؟؟
داعش يثير الخوف والرعب والذعر بين الأبرياء الآمنين المسالمين الغير مسلحين، ويذبح الرجال ذبح النعاج، ويغتصب النساء والأطفال أناثاً وذكوراً، ويرجم ويسحل ويُوئِـد بشراً أحياءاً ويكبر باسم الله فخراً وانتصاراً وهو يغوص في بحور من دماء البشر هو سافكها. ويخوض فوق رؤوس وأشلاء جثث بريئة متناثرة ويصورها ويسجلها في فيديوهات فخوراً ملوَّحاً أسلحة الدمار والإرهاب والشر والإجرام. ويفعل تلك الأعمال وتتناقها وسائل الإعلام ووكالات الأنباء والفضائيات في أنحاء العالم على اختلاف روّادها ومشاهديها؟؟
لقد وصف الشيخ الفاضل أسامة القوصى، الداعية الإسلامي، بيان الأزهر بالغامض والغير مفهوم في تبرير موقف جماعة إرهابية ووصفها بالمؤمنين مشيرا إن عناصر تنظيم داعش الإرهابي قتلة ومفسدون في الأرض ومجرمون، وهى جماعة تكفيرية تكفر المخالفين لها. وأشار إن الأزهر كان عليه اتخاذ موقف أكثر صرامة مع هذه الجماعة بدلا من إصدار بيان لتبرير كلمة مفتى نيجيريا وكأنه يرفض تكفير داعش التي خرجت عن كافة الأصول وعن الدين.
النقطة الرابعة هي منح شيوخ الأزهر أنفسَهم حق امتلاك سلطة التكفير الناس!!
فعلاوة على أنه ليس مهماً على الإطلاق أن يُكفّر الأزهر تنظيم داعش أو لا يُكفره. بل يجب ألا يعنينا أبداً مبدأ التكفير في حد ذاته أو سلطة التكفير على الإطلاق. فهو سلاح لو وضع في "يد إنسان" قد يُحسن استعماله أو يسيء. فالإيمان "إعتقاد شخصي" بين الإنسان وربّه، ولا شأن به أو دخل فيه لإنسان آخر على سطح الأرض. والتاريخ يشهد بالكثير من سوء استعمال سلطة التكفير على أبرياء لم يكونوا أبرياءاً فقط، بل كان الكثيرون منهم مفكرين صالحين مصلحين مخلصين.
خلاصة الأمر، إيمان داعش أو كفرهم لا يغير من جوهر القضية قدر ذرة. فهم يقتلون ويدهسون ويهتكون عرض خلق الله. حجة الأزهر في عدم تكفيرهم أنهم ينطقون الشهادة. والشهادة على لسانهم ملطخة بأفعالهم. ملوثة بأكبر خطايا آدمية دنيوية دموية جنسية وتخريبية. وما أنتجت داعش في الأرض إلا خراباً وقتلى ويتامى وأرامل وثكلى ومختطفات ومغتصبات ومعوقين مشوهين، أطفال وشباب وكهول.
سطحيّ، أي فاقد الجدية، هو من يهمه أمام تلك المأساة أن كان فاعلها مؤمناً أو كافراً. داعش الإرهابي الدموي يعيث في الأرض فساداً وخراباً وإجرماً وعبثاً. أدانه العالم أجمع بأقصى العبارات. فهو أسوأ من النازي والهكسوس والمغول والتتار. ولكن كل أعمال داعش الوحشية الـلا إنسانية ليست بكافية لتقنع شيوخ الأزهر أن يصدروا حكماً حازماً صريحاً بإدانة أعماله دون الإشارة إلى إيمانه، فليس ذلك الإيمان أو الكفر جوهر القضية. وإقحام إيمان داعش في بيان الأزهر هو تصريح وترخيص مطلق يعطي الإهاربيين شرعية "إيمانية" و"عقيدية" لاقتناص الأوطان وسفك دماء الأبرياء وذبح الرجال والأطفال وهتك أعراض النساء. متذرعين بأنهم "مؤمنون" وينطقون "الشهادة" فأعمالهم إذاً حلال!!
النقطة الخامسة هي رفض الأزهر تكفير داعش على أساس أن لا تكفير لمؤمن ينطق بالشهادة مهما بلغت ذنوبه!!
يقيم الأزهر حكمه على داعش (والإرهابيين عامة) على أنهم ليسوا كافرين. أي مؤمنين. ويحدد الإيمان بنطق الشهادة "أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله" فلا تكفير لمن ينطق الشهادة مهما بلغت ذنوبه!! وتغافل الأزهر عن كم ناطق بالشهادة قتل وسرق وزنى وفسق واغتصب وكذب وافترى، وارتكب كَمّاً من الذنوب والموبقات، ولم يزل مؤمناً في نظر الأزهر!!!
وفي الحقيقة، منطوق الأزهر في ذلك ليس سليماً ولا صادقاً. فقد كفر الأزهر الكثيرين من المفكرين والعلماء المصلحين لاختلاف الرأي، وكانوا مؤمنون بمقياس "النطق بالشهادة". علاوة على أن تاريخ المسلمين في كل عصور الإسلام مرصع بحكَّام وأئمة وشيوخ كفروا وزندقوا وقتلوا عشرت إن لم تكن مئات من المفكرين والعلماء والشعراء المسلمين المؤمنين "الناطقين بالشهادة" وذلك لاختلاف الرأي.
قال وكيل الأزهر، الدكتور عباس شومان، أن "وسائل الإعلام ادّعوا باطلا أن الأزهر كَفَّرَ بعض الأدباء والمفكرين، وهو ما يعد جهلا منهم بتاريخ الأزهر." أقول رداً على هذا القول أنه بينما يرفض الأزهر اليوم تكفير داعش الإرهابية، فضحايا الأزهر التكفيرية في العصر الحديث عديدة. والعجيب أن الأزهر يركز أحكام التكفير، لا على الإرهابيين سافكي الدماء، بل على المثقفين المفكرين الاعلاميين الأحرار الداعين للإصلاح في وطنهم، والذين لم يسفكوا دماً ولم يغتصبوا أرضاً أو إمرأة، ولم يهدموا بناءاً. وهاهنا عشرة من ضحايا الأزهر:
الإمام محمد عبده، مفتي الديار المصرية. الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي. خالد محمد خالد، مؤلف ومفكر إسلامي. الشيخ عبد الحميد بخيت، أستاذ أزهري. الشيخ علي عبد الرازق، أستاذ أزهري وقاضي. الدكتور فرج فودة، كاتب ومفكر. نجيب محفوظ، أديب روائي حاصل على جائزة نوبل العالمية. نصر حامد أبو زيد، متخصص في الدراسات الإسلامية والعلوم الإنسانية. حيدر حيدر، روائي سوري. حلمي سالم، شاعر مصري.
مرة أخرى، مواقف الأزهر تجاه الإرهابيين في السنوات الأخيرة مواقف ضبابيّة رخوة. ولا داعي لعجب أو دهشة، فالأزهر الذي يدَّعي الوسطية في الفكر الديني، مُخترَقٌ منذ عقودٍ من الارهابيين الأخوان والسلفيين الوهابيين والعناصر المتشددة، فقد توَغلوا جميعاً في حناياه وثناياه ودهاليزه ومنابره. ومازال الأزهر رغم ثورتي يناير 2011 ويونيو 2013، محتضناً لهم ومُتبني في مناهجه تعاليم وكتب الوهابية العنصرية الصفراء المتشددة المتخلفة. ويسقيها علماً وثقافة لطلابه، فيخرِّجهم عنصريين متطرفين كارهين مخربين إرهابيين.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com