قبل ثلاثة أشهر من اعتزام المشير عبدالفتاح السيسى الترشح للرئاسة قلت فى أكثر من برنامج تليفزيونى: «الإخوان يرشحون السيسى للرئاسة، لأن جنوحهم إلى العنف وتعاونهم مع التنظيمات الإرهابية، يجعل الطلب على الأمن مرتفعا عند عموم الناس، ويدفعهم إلى البحث عن رجل عسكرى ليصير رئيسا، والأرجح أن يكون السيسى الذى هو فى الوقت نفسه رجل أمن، نظرا لتوليه منصب مدير المخابرات الحربية فى السنوات التى سبقت ثورة يناير وحتى تم اختياره وزيرا للدفاع أثناء حكم الرئيس الإخوانى محمد مرسى».
الآن أقول: إن الإخوان يسندون السيسى من دون قصد ولا حول منهم ولا طول ولا تدبير ولا تفكير، وربما من دون فهم ولا تقدير، فغباؤهم السياسى المعهود يقودهم دوما إلى فعل ما فى صالح من يرونهم خصومهم، أو يعتبرونه ألد أعدائهم. فإصرار الإخوان على رفض الإرادة الشعبية العريضة التى انعقدت على إسقاط حكمهم الفاشل، وانخراطهم فى أعمال تحريض وشغب وعنف وإرهاب، يجعل الناس غير مخيرين فى الوقوف إلى جانب السلطة الحالية من عدمه، بل موقنين فى أغلبهم بأن هذا الوقوف واجب بغية الحفاظ على الدولة والمجتمع، خاصة أن الأفكار التى يؤمن بها القطبيون والجهاديون ممن يمارسون الإرهاب تتعامل مع المجتمع على أنه «مجتمع جاهلى» و«كافر» ولذا فهو مستباح، فى المال والدم والعرض، أمام كل أشكال العنف، الرمزى واللفظى والمادى.
هذا ليس حديثا من علٍ بل إنه تعبير أمين ودقيق عما يدور فى أذهان الناس، عوامهم ونخبتهم، فى الوقت الراهن. فكل من لديه اعتراض أو امتعاض أو تحفظ يبلعه أو يكتمه، لأنه يدرك أن أى طاقة غضبية ضد السلطة ستصب فى صالح الإخوان المتربصين بالجميع، والذين سبق لهم أن تاجروا بدماء الثوار وجهدهم فى يناير، وتنكروا لمطالبهم، وحولوا دفة الأمور لخدمة مسارهم الذى لا علاقة له بما قامت من أجله الثورة، وما أراده كل الذين نزلوا إلى الميادين والشوارع ضد حسنى مبارك حتى أجبروه على الرحيل. وما يجرى ليس بعيدا عما سلكه الإخوان طيلة تاريخهم، فهم دوما فى خدمة السلطة، حتى وهم يواجهونها، وهذه مسألة تنسحب على كل المتطرفين والإرهابيين من جماعات وتنظيمات شتى، فتنظيم «الجماعة الإسلامية» حين رفع السلاح ضد نظام مبارك من ١٩٨٨ إلى ١٩٩٧ تسبب فى إطالة عمر النظام، وتأخير قيام الثورة. والإخوان منذ أن نشأوا وضعوا أنفسهم كــ «جماعة وظيفية» فى خدمة السلطة، بما قاد إلى عرقلة أى تطور ديمقراطى فى مصر.
وفى المقابل فإن أداء السلطات التى تعاقبت على حكم مصر ساعدت التيار الدينى، على اختلاف جماعاته وتنظيماته، على التمدد الاجتماعى، سواء بشكل غير مباشر من خلال انسحاب الدولة من تقديم الخدمات، وضربها المتتابع للتيار المدنى الذى يطالب بتداول السلطة والتعددية السياسية واحترام الحقوق والحريات العامة، واتباعها إجراءات قسرية فى بعض الأحيان يستغلها أتباع هذا التيار فى كسب التعاطف الشعبى معهم، أو بشكل مباشر عبر إبرام الصفقات الأمنية مع الإخوان وغيرهم مثلما تم فى عهد مبارك أو توظيفهم فى ضرب اليسار كما فعل السادات أو استخدامهم فى التخلص من الأحزاب السياسية كما دبر عبدالناصر، أو ضرب الحركة الوطنية المصرية التى كان يتزعمها الوفد حسبما خططت ونفذت أحزاب الأقلية التى ناصبت الوفد العداء، أو صارعته على السلطة.
فى كل المحطات تم استخدام الإخوان فى تصفية الثورات، بدءا من مكاسب ثورة ١٩١٩ حين تحالفوا مع إسماعيل صدقى فى انقضاضه على دستور ١٩٢٣، وتحالفوا مع الإنجليز ضد الحركة الوطنية، وكان طلاب الإخوان يتصدون للطلاب المتظاهرين ضد الاحتلال فى الشوارع، ثم استخدمهم السادات فى قيادة الثورة المضادة على مكتسبات العدالة الاجتماعية التى تحققت فى ثورة يوليو، واستعملهم مبارك فزاعة للداخل والخارج فأطال أمد حكمه، وحين قامت ثورة يناير تصرفوا بما عرقلها، كعادتهم فى إجهاض الثورات، والآن هم تحولوا إلى قوة معطلة، وللأسف هذه المرة فى أيدى أطراف من خارج الوطن، إنه دور «حصان طروادة» الذى يصرون على أدائه، ولا يعرفون غيره.
الإخوان كانوا، ولا يزالون، عقبة أمام التطور الديمقراطى فى مصر، ولن يتغير الأمر إلا إذا انهار تنظيمهم الفاشى، أو تعلموا الدرس وغيروا أفكارهم، وإن كنت أشك فى هذه الأخيرة تماما.
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com