كريمة كمال
إذا ما كنت قد أصبت بصدمة شديدة من تصريحات قداسة البابا تواضروس، خاصة إذا ما اقترنت بتصريحات الأنبا بولا، فإن غيرى لم يتوقف عند حد الصدمة بل تخطاها إلى حالة من الهجوم الشديد لأنهم ببساطة لهم موقف أكثر حدة مع ما تناوله قداسة البابا تواضروس فى حديثه للصحيفة الإسبانية.. على يديهم آثار دماء أحباب سالت فى ماسبيرو.. لذا فقد يكون ما سوف أسطره هنا أقل حدة
لكنه من ناحية أخرى يؤسس لموقف الكنيسة الذى يجب أن يكون بعد ثورتين تخيلنا بعدهما أن هناك قواعد يجب أن تستقر. أهم هذه القواعد عدم خلط الدينى بالسياسى فإذا ما وجدنا الأنبا بولا يصرح قائلا إن الأحزاب تأخذ رأى الكنيسة فيمن يتم اختيارهم للبرلمان القادم وإذا كان قداسة البابا تواضروس يرى أن للحرية حدودا وأن النت يجب أن يخضع للرقابة وإذا كان قد أدلى بدلوه فى الحكم على مبارك فلا شىء يمكن أن يقال سوى أننا محلك سر.
لم نكتب مرة، بل كتبنا مرات أثناء حكم مبارك، مطالبين بأن تتوقف الكنيسة عن التدخل فى الشأن السياسى، وبعد تخلى مبارك وتنيح قداسة البابا شنودة تحدثنا عن التأصيل لمرحلة جديدة للكنيسة وبابا الكنيسة، يقتصر فيها دورهما على الدور الروحى والعقائدى، أما الدور السياسى والقناعة السياسية فهى حق مطلق لكل قبطى يرى فيه ما يراه كل مصرى بعيدا عن الكنيسة وقيادتها
لكن يبدو أن الأنبا بولا مُصر على أن يقوم هو وتقوم الكنيسة بالدور الذى اعتادوا عليه طويلا، غافلين تماما عن أن الثورة قد طالت الأقباط كما طالت كل المصريين، وأنهم ليسوا فى حاجة إلى توجيه سياسى من كنيستهم، هم فقط فى حاجة إلى توجيه روحى منها، فهل مثل هذا التدخل يحدث من بعض قيادات الكنيسة برغبة شخصية منهم بهدف الاحتفاظ بنفوذ لهم فى الدولة؟ وهل تورط قداسة البابا تواضروس فى تصريحاته الأخيرة للصحفى الإسبانى لعدم خبرة فى النأى بالكنيسة عن الشأن السياسى بينما الاعتذار عن الأسئلة السياسية وارد والإصرار على أن الكنيسة وبابا الكنيسة يتحدثان فى الشأن الدينى فقط وليس فى غيره، مما يمكن أن ينقذ بابا الأقباط من التورط فى كل التصريحات التى لم تفعل سوى جلب الصدمة للبعض والهجوم من البعض الآخر
السياسة فى مصر الآن كالرمال المتحركة ويستحيل على البابا أو غيره الإبحار فيها دون التورط بينما دور الكنيسة ودور بابا الكنيسة ينأى بهما عن مثل هذا التورط فقط إذا ما آمنا بأن هذا الدور ليس دورهما.. المشكلة تكمن فى هذا الإيمان الذى يستدعى التوقف عما تم الاعتياد عليه فهل يمكن للكنيسة أن تعيد النظر فى قناعتها بأن الدور السياسى ليس دورها؟
ربما تكون هناك الكثير من الإغراءات بالذات لبعض القيادات الكنسية وكثير من الضغوط بالنسبة لقداسة البابا تواضروس، بينما المؤكد أن الأقباط وفى القلب منهم من آمنوا بأن ثورة يناير قد غيّرت فى الكنيسة الكثير وبالذات فيما يخص تدخلها فى الشأن السياسى الذى هو محض شأن خاص بهم والذين ينتظرون إشارة الكنيسة فيما يخص العقيدة بينما لا ينتظرون إشارتها فيما يخص قناعتهم السياسية وانحيازاتهم لما يجرى سواء مع أو ضد.
دفع الأقباط الكثير لتولى الكنيسة الدور السياسى عنهم، وإذا كان هناك من يبرر ذلك بأنه كان بناء على رغبة الدولة فقد آن للكنيسة والدولة معا أن يتوقفا.
نقلآ عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com