ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الجان الطيب يداعبنا

علي سالم | 2014-12-30 09:03:11

واحدة من أشهر حيل الاختصار والاختزال عند الحدوتة الشعبية القديمة، هي حكاية الأخين المتناقضين، الطيب والشرير. هي تحكي هذه المرة عن الأخ الطيب وقد استولت عليه نوبة اكتئاب دعته للسير هائما على وجهه حتى وجد نفسه خارج المدينة بين التلال وقد هبط عليه الظلام. شعر بالخوف، ولكنه وجد نفسه فجأة أمام سرادق يشع بالضياء،

ومقرئ صاحب صوت قوي جميل، وبشر يقابلونه بابتسامة ترحيب كبيرة. فدخل وجلس على مقعد وثير. وفي لحظات شعر باكتئابه ينسحب من خلايا عقله وأن إحساسا غامرا بالراحة بدأ في الاستيلاء عليه. شعر بالرغبة في الانصراف، فنهض من مكانه، فخف أحد منظمي السرادق إليه وقال له بود كبير: نرجو أن تكون قد شعرت بقدر من راحة القلب وراحة العقل عندنا.. هل أعجبك السرادق؟ رد بصدق: أعجبني؟ كل ما فيه مريح يشع جمالا وبهجة.. أشكركم وأحمد الله على هذه اللحظات الهانئة التي قضيتها معكم.

فقال له الرجل: حسنا.. نرجو أن تتفضل وتقبل منا هذه الهدية البسيطة.. نرجو أن تفتحها في البيت.

هذه هي طريقة الحواديت القديمة في إثراء أبطالها الموعودين، لفة يفتحها البطل في البيت فيجد كمية كبيرة من الماس والجواهر واللآلئ، فيتحول في لحظات إلى شخص شديد الثراء في عصور الحواديت الجميلة التي لم تكن تعرف قانونا اسمه: من أين لك هذا؟ كانت الناس جميعا في ذلك الوقت تعتنق نظرية «ملك الملوك إذا وهب، لا تسألن عن السبب».

ينتهي هنا دور الأخ الطيب ليبدأ دور الأخ الشرير، كان من الطبيعي أن يسأل أخاه عما حدث له ونقل أحواله من النقيض إلى النقيض، فحكى ما حدث له بأمانة. انتظر هبوط الليل بفارغ الصبر وخرج إلى التلال التي وصفها له أخوه. جلس في قلق في انتظار اللقطة الأخيرة التي يحصل فيها على العطية. وصل توتره إلى قمته فنهض من مكانه في طريقه للخارج، خف إليه أحد أصحاب السرادق وسأله: نرجو أن تكون قد شعرت معنا ببعض الراحة.

فأجاب بتأفف: يعني.. سأترك لكم عنواني، أنا أستطيع أن أدلكم على سرادقات أفضل من هذه.. ثم من الذي نصحكم بهذا المقرئ؟

في تلك اللحظة اختفى كل شيء وسادت الظلمة وصفرت الريح بين التلال الموحشة، أصحاب السرادق لم يكونوا بشرا، كانوا من الجان الطيب الذي يسلي نفسه بمداعبة البشر. لا توجد ثروة حقيقية في غياب إحساس خاص بالجمال، قد تكون دارسا للقانون في أرقى جامعات العالم، غير أن ذلك لا أهمية له عندما تكون نفسك غير تواقة للعدل. في غياب الإحساس بالجمال يستولي عليك الإحساس بالفقر إلى الأبد مهما كانت أرصدتك في بنوك العالم. في غياب الإحساس بالجمال تغيب الحضارة ويغيب العدل وكل قيم الحياة النبيلة وتسود الداعشية.

ربما تكون صاحب عقل قوي جبار، عندها أشعر باحترام كبير لك. غير أني عندما أكتشف أنك صاحب نفس جميلة، فأنا أحبك.

نقلا عن الشرق الأوسط

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com