قد يهتم رجال الحكم والسياسة بتوفير احتياجات الناس في كل مجالات المعيشة. أما أنا فأهتم بحتمية تقديم البهجة للناس، وخصوصا الشباب. ولما كانت كرة القدم هي أهم مصدر للبهجة عند الشباب في مصر، لذلك كان صدور قرار بتأجيل دوري كرة القدم له معنى واحد هو تحويل هؤلاء الشبان إلى كتلة غضب تمشي على قدمين، أو كتلة بارود تنتظر لحظة انفجار لسنا في حاجة إليه.
لا يمكن توقي عملية التدافع، خصوصا في الاستادات الكبيرة، وخصوصا في ظروف معينة تنهار فيها عمليات التأمين التقليدية. بل قد تكون المبالغة في عمليات التأمين هي بذاتها ما يسبب هذا التدافع الذي يؤدي إلى قتل أعداد كبيرة من البشر. إن الحرص على التحكم في المداخل والعمل على أن تكون ضيقة حتى لا تسمح باندفاع الناس أثناء عملية الدخول، هو حرص يفتقر لعنصر الخيال. لا أحد يسأل نفسه: هذا عن الدخول.. ماذا يحدث للناس في هذه الممرات الضيقة عندما تنتابهم حالة فزع لأي سبب؟.. في هذه الحالة سيندفع الناس ويدوسون بعضهم على بعض. بعدها تندفع الأصوات والأقلام والكاميرات طالبة تقديم المسؤولين عن هذه الكارثة إلى العدالة، ليكتشفوا بعد شهور أو أعوام أن كل الجهود فشلت في العثور على مسؤول. كل مسؤول على حدة تصرف طبقا للتعليمات الصادرة إليه، وطبقا لخبرته، وهي كلها تعليمات أصدرها بشر يفتقرون إلى الخيال.
لا بد من إعادة النظر في طريقتنا في التعامل أمنيا مع حشود من آلاف البشر، في الحالتين؛ الأولى عندما يدخلون في نظام وبانتظام، والثانية عندما ينتابهم الفزع وتستولي عليهم الرغبة في الهروب من المكان. وفي كل الأحوال لا يجب إيقاف دوري كرة القدم. الأخطاء يجب ألا تدفعنا لإلغاء الصحيح. فعندما تحدث حوادث السيارات في الطريق الصحراوي، فنحن لا نمنع السير في هذا الطريق. وحتى عملية السماح بالمباريات بغير جمهور فهي الأخرى أشبه بطباخ يقدم وجباته في مطعم يمنع دخول الزبائن إليه. أو عرض مسرحي يمنع المتفرجون من مشاهدته.
إن وجود ضحايا من الشباب في حادث استاد الدفاع الجوي، لا يدفعنا لإلغاء مباريات كرة القدم لفترة تطول أو تقصر، بل يدفعنا لإعادة النظر في طريقتنا وفي مناهجنا في تأمين الأماكن التي تستقبل آلاف البشر. وإذا كان المثل الفرنسي يقول: «ابحث عن المرأة»، فأنا أقول عندما يحدث حادث مؤلم بهذا الحجم: «ابحث عن الحرفة»، وهو ما يذكرني بحادث تدافع في مسرح في بني سويف مات فيه عدد كبير من المتفرجين معظمهم نقاد مسرحيون وكتّاب صحافيون. أراد المخرج إشعار المتفرجين بأنهم في حالة حصار فحاصرهم بالفعل في قاعة المسرح، أغلق بإحكام كل المنافذ ثم أشعل نيرانا على خشبة المسرح أمسكت في الستائر ومنها انتقلت بسرعة هائلة إلى خشبة المسرح ثم القاعة. إنها الحرفة.. هو مخرج لم يتعلم أنه ممنوع لأي سبب إشعال نار على المسرح، كما لم يتعلم أنه لا بد من وجود أبواب للخروج بسهولة عند أي حادث. بالطبع لم نوقف النشاط المسرحي.
لا تبحثوا عن حلول سهلة لمشكلاتنا، بل عن الحلول الحقيقية. لا تحرموا الشباب من أهم مصادر البهجة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com