بعد أيام قليلة تكون دوامة العنف السورية قد دخلت عامها الخامس , وحصاد السوريين خلال هذه السنين الأربعة لم يكن سوى المرارة والحسرة, على من فقدوا من فلذات أكبادهم وما خسروا من ممتلكاتهم وما تهدمت من بيوتهم وأحيائهم , لا لذنب اقترفوه سوى أنهم حلموا بالحرية وأرادوا استعادة كرامة هُدرت عبر عقود من سلطة الحزب الواحد وفساد مسؤوليه ونظامه المخابراتي. فبدأوا لتحقيق حلمهم بمظاهرات سلمية, وأرادوها ثورة بيضاء, لكن النظام والمغامرون في الجهة المقابلة, دفعوها إلى العسكرة لخوض المواجهة المسلحة مع الترسانة العسكرية للدولة, فخرجت الثورة عن مسارها وانتعش الإرهاب وازداد الوضع تعقيداً.
استمرار النظام في تعنته واستعراضاته مع مجموعات المعارضة بتعبيراتها السياسية والعسكرية, والاستهتار بأرواح المدنيين وممتلكاتهم – من جهة – و بقاء تشتت المعارضة بشقيها العسكري والسياسي, ورهانها على الخارج وعدم تمكنها من طرح مشروع وطني جامع من جهة ثانية ، واتساع رقعة التنظيمات الجهادية والتكفيرية على الأرض
وجبهات حروبها وازدياد نفوذها بين السوريين أنفسهم من جهة أخرى... كل هذا معاً لا زال يشكل عقبة كَأداء أمام نجاح أية مبادرة للحل السياسي وإنهاء دوامة العنف والإرهاب التي تحصد أرواح السوريين وتستنزف اقتصادهم دون توقف.
إن تدخلات الدول الإقليمية في الشأن السوري كانت مكشوفة منذ البداية
واستنجاد طرفي الصراع بالقوى الإقليمية كان واضحاً بما فيه الكفاية, وذلك عندما تغاضت معظم أطراف المعارضة, عن توافد عشرات الآلاف من الجهاديين والتحاقهم بصفوف التنظيمات التكفيرية, كما يسَّر النظام لأفواج المتطوعين الشيعة من العراق ولبنان والبقاع الأخرى بالدخول إلى البلاد للقتال إلى جانبه لغاية يومنا هذا, فبالنسبة لإيران لا زالت سوريا مرتكزاً استراتيجياً لأطماعها القومية باسم الشيعة والتشيع, وجبهتها المتقدمة في المنطقة, لذلك تستمر في دعمها المادي والعسكري رغم مؤشرات الوضع الاقتصادي المنحدرة في إيران يوماً بعد آخر
ونداءات العديد من الفعاليات والتنظيمات الإيرانية المعارضة بالكف عن المقامرة والرهان على نظام دمشق بضخ الملايين من الأموال عبثاً. أما تركيا الجارة فلا زالت مرتبكة في تعاملها مع الملف السوري, وتصريحات مسؤوليها تتفاوت وتتضارب حسب تطورات الداخل السوري على الأرض
وخاصة اتجاهات الخط البياني لدور الكرد على تخومها الجنوبية, أولئك الذين استبسلوا في الدفاع عن مناطقهم وحطموا اسطورة "داعش" على أسوار كوباني رغم " بروباغندا " الإعلام التركي والعربي حول سطوة داعش وجبروتها, ورغم تغاضي تركيا الرسمية عن تمرير الدعم العسكري والبشري للتنظيم عبر أراضيها, ودعمه لوجستياً وتعرضها بسبب ذلك للانتقاد اللاذع من قبل أصدقائها الأوربيين. ولكن ما يزيد قلق الحكومة التركية هو محاولات مصر الجدية لاستعادة دورها العربي والإقليمي بدعم خليجي
ودعوتها الأخيرة لبعض أطراف ورموز المعارضة السورية للتلاقي والحوار في القاهرة, وما أثمر عن هذا اللقاء من النقاط العشرة التي تم الإعلان عنها , مما يضعف من التأثير التركي في رسم مستقبل سوريا كما كانت تخطط له. في حين لم يطرأ تغيير يذكر على موقف روسيا الداعم لدمشق منذ بداية الأزمة .
أما تجاذبات بغداد - أربيل ، فإنها ستستمر ، ولكنها لا تستعصي على الحل عبر الحوار, خصوصاً أن الولايات المتحدة والغرب عموماً تضع قضية مكافحة الإرهاب على سلم أولوياتها, وتدفع الجانبين للتفاهم والعمل معاً لإيقاف تمدد تنظيم الدولة " داعش " وإفشال مشروعه, هذا في الوقت الذي يتواصل فيه التعتيم الإعلامي حيال مجريات الأحداث في عموم ايران وكردستان خصوصاً, فإن المحاكم الصورية وأحكامها الجائرة بحق نشطاء حقوق الإنسان والمناضلين الكرد تبقى مثار قلق عميق وموضع إدانة واستنكار , وما أحكام الإعدام المنفذة في الأيام الأخيرة بحق مجموعة من الشباب الكرد, إلا دليل ساطع على استمرار سلطات طهران في انتهاكاتها الفظيعة لحقوق الإنسان وسياساتها الشوفينية إزاء الكرد.
وفي الوقت الذي يضع فيه حزب العدالة والتنمية الحاكم في أنقرة, كامل ثقله في معركة الانتخابات البرلمانية المرتقبة (7 حزيران القادم ) ، بغية كسب المزيد من الداعمين لسياساته, والتقليل من أهمية مشروع السلام التركي –الكردي ومبادرة الحل التي أطلقها السيد عبد الله أوجلان, تحظى هذه المبادرة بتأييد واسع من لدن معظم الأوساط والأحزاب الكردستانية وقوى السلم والحرية والعديد من الدول, وتشير الدلائل الميدانية بأن القضية الكردية في طور تبلورها أكثر فأكثر, وإيجاد حل سلمي لها بات في صلب اهتمامات الرأي العام في تركيا .
وعلى الصعيد المحلي, لعل اتفاق دهوك وتشكيل المرجعية السياسية واجتماعاتها هي أبرز العناوين في الوسط الكردي السوري خلال الفترة الأخيرة, وهي نفسها المهمات الملحة التي من المفترض إنجازها لمواجهة خطر الإرهاب الجهادي, الذي طال توحشه مؤخراً سكان العديد من القرى الآشورية في محافظة الحسكة , حيث أن ترتيب البيت الكردي, والحفاظ على السلم الأهلي, وعدم الانجرار إلى الفوضى والمهاترات, وحماية المناطق الكردية, والحفاظ على الوئام مع مكونات المجتمع السوري, الشركاء في الوطن, وعدم الاعتماد على أي طرف إقليمي الا في حدود الجيرة والعون الإنساني الطارئ, والحذر من الانزلاق الى درك التسكع أو التبعية والتخندق...
كل هذه النقاط تبقى في صلب توجهاتنا, مؤكدين في الوقت ذاته على النقاط السبعة الواردة في بيان الحزب الموجه الى الرأي العام الصادر بتاريخ ( 31/ 1 / 2015 ), وجدير بالإشارة إلى أن زيارة الوفد القيادي لحزبنا إلى كوباني المحررة, كان لها وقعها المعبّر حيث تُوّجت بنشر تقرير بتاريخ ( 14/2 /2015 ) حول مجريات الزيارة والمشاهدات الميدانية للوفد الذي قوبل بترحاب من قبل الأخوة مسؤولي الإدارة ووحدات حماية الشعب, وباستحسان من قبل أعضاء ومحبي حزب الوحـدة, الذين أجمعوا على عدم التقاعس في العمل الميداني للإسهام النشط في تنظيف شوارع كوباني من الجثث والألغام والأنقاض, بهدف توفير الحد الأدنى من مقومات الحياة, وعودة أبنائها المهجرين إلى ديارهم, ومناشدة الرأي العام والمجتمع الدولي بتقديم العون العاجل لإعادة إعمار كوباني .
7 / 3 / 2015
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا " يكيتي"
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com