هذا عصر توسيع دائرة الكشف الطبي. إلى الدرجة التي اتسعت فيها تلك الدائرة لتشمل السادة المتقدمين لعضوية مجلس الشعب. ممنوع قبول عضو يثبت تناوله للكحول أو المخدرات أو العقاقير المخدرة. وبذلك نضمن اليقظة الدائمة للعضو في المجلس كما نضمن أن تكون قرارات المجلس كلها صادرة عن عقول صاحية متنبهة لكل دقائق الديمقراطية ومصالح الشعب.
ولكن ماذا عن العيوب الأخرى التي تنال بالفعل من قدرة النائب على تمثيل أهل دائرته تمثيلا صحيحا، والعمل على تحقيق مصالحهم؟ هناك بالفعل عيوب أخرى في البشر تجعلهم آخر من يصلح لتمثيل شعوبهم في المجالس النيابية، لا بد من التأكد من خلال الكشف الطبي النفسي أن الهدف الوحيد للمرشح هو أن يخدم أهل دائرته وأن يرعى مصالح شعبه. وأنه لم يدخل المجلس بحثا عن القوة الاجتماعية والسياسية. وقد يكون من المناسب أيضا إجراء كشف هيئة للمرشح يتولى فيه أساتذة مختصون مناقشته في التاريخ والفلسفة للتأكد من خلوه من أي رغبات ديكتاتورية أو ميول داعشية دفينة.
لقد فوجئت بطوابير البشر التي تقدمت للحصول على الاستمارات الخاصة بالانتخابات، درجة تزاحم لم نعرفها إلا في هجوم الناس على مخازن أنابيب الغاز أوقات الأزمات. آلاف من البشر - لا أعرف كم عددهم بعد استبعاد من يتناولون المخدرات - تقدموا لهذه الانتخابات. وهو ما جعلني أتساءل: هل القيمة في مصر الآن موجودة في ميدان السياسة فقط؟.. هل مجال السياسة تسيد بقية مجالات الحياة إلى الدرجة التي تجعل مخرجا سينمائيا شهيرا يرشح نفسه لعضوية البرلمان؟ هل أضواء النجومية الآن انحسرت عن كل المهن وانحصرت فقط في السياسة؟
المهنة هي المصدر الحقيقي للزهو وتأكيد الذات وعندما تفقد المهنة قدرتها على إمدادنا بذلك فلا بد أن نشعر بقدر من الضياع يدفعنا إلى الاعتقاد أن القوة الحقيقية في المجتمع توجد فقط في السياسة. أما الأخطر من ذلك فهو أنها لا تتطلب تعليما خاصا ولا معرفة خاصة، كل المطلوب من سيادتك هو أن تصيح في لحظات معينة.. بحبك يا مصر. وتستطيع أن تضيف إلى كشف الحب، العمال والفلاحين والرأسمالية الوطنية.
غير أن ما وصلنا إليه أمر طبيعي تماما، فعندما تكون الدولة مسؤولة عن كل الحرف، أي مسؤولة عن الإنتاج بشكل عام فلا بد أن تنهار الحرفة، أي حرفة وكل حرفة. وبذلك نفهم جيدا المثل الشعبي القديم الذي يقول «إن فاتك الميري، اتمرغ في ترابه». هكذا ترى أن تراب الميري كان له ثمن وقيمة، أما الآن فقد ثبت لنا أنه مجرد تراب. الآن يقول الواقع شيئا آخر، الواقع يئن من الديون، ولم تعد المعونات مصدرا للرضا عن النفس، وعلى الدولة أن تؤمن بأن دورها الوحيد هو أن تكون دولة، وأن الأفراد هم القادرون على عمل المشاريع وقيادة الناس في طريق المستقبل. إن المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ في الأسبوع القادم هو آخر فرصة للحكومة المصرية لكي تتخلى عن مفهوم الاقتصاد المخطط.
نقلاعن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com