بقلم: ليديا يؤانس
قد يتساءل البعض، لماذا لم يدعو المسيح تلاميذه ب"أخوتي" قبل القيامة؟
بعد القيامة قال الرب يسوع للمجدلية "إذهبي إلى إخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم" (يوحنا 17:20).
وفى (متي 10:28) يقول للمجدلية ومريم الأخرى "إذهبا قولا لإخوتي أن يذهبوا للجليل وهناك يرونني."
الرب يسوع المسيح لم يدعو تلاميذهُ أو خاصته بكلمة "إخوتى" قبل الصلب والقيامة، ولكن بعد القيامة كلمة "إخوتي" ذُكرت مرتين فى الأناجيل.
البعض قد يقول أنه أثناء خدمته علي الأرض وهو يعظ الجموع قالوا له "هوذا أمك وأخوتك واقفون خارجاً" فأجابهم "من هي أمي ومن هم أخوتي" هنا كان يرد عليهم فقط، ولكنه لم يدعو تلاميذه وخاصته قبل القيامة بلقب إخوتي.
كلمة "أخ" "brother" أو "إخوه"brethren" تكررتا كثيراً فى الكتاب المُقدس.
كَلِمة "أخ" أو "brother" تعنى إبن مُذكر وقريب لإبنْ آخر من نفس الأبوين أو أحد الأبوين.
وقد تعني أيضاً واحداً من نفس المُجتمع الديني وخاصة المجتمع الكنسي فأعضاء الكنيسه يُطلق عليهم "إخوة" في الكنيسة لإن أبوهم واحد هو الذى فى السموات وهم إخوة للإبن البِكر يسوع المسيح.
أيضا تًطلق كلمة "brethren" على أعضاء الكنيسة أى المجتمع الكنسي.
مُهم جداً أن هذا اللقب منحه السيد المسيح بنفسه لنا نحن المسيحيين بعد القيامة، أنه لقب مُعطي لنا من فمه الكريم ولم يلقبنا به الناس، أى أن المسيحيين إخوة يسوع المسيح.
لماذا بعد القيامة وليس قبلها دعا المسيح تلاميذهُ وخاصته ب"إخوتي"؟
القيامة حجر الأساس في الإيمان المسيحي، بدون القيامة ليست هُناك مسيحية، وليس هُناك خلاص، وليس هُناك رجاء.
رسالة القيامة كما يُقدمها الكتاب المُقدس تقول، إن القيامة رجاء وأمل، وأن الموت ليس نهاية لكُل من يؤمن بالرب يسوع، فالموت بالنسبة للمؤمنين بالمسيح ليس موتاً بل بداية للحياة الأبدية مع الرب.
وعلى ذلك فإن المؤمنين الذين ماتوا أو علي الأصح إنتقلوا يُقال عنهُم "إنتقلوا على رجاء القيامة."
يُعلن هذه الحقيقة أشعياء النبى بقولهِ "تحيا أمواتك تقوم الجثث" (اشعياء 19:26).
ودانيال النبى يؤكد علي إن مُفتاح الأبدية للمؤمنين هو القيامة فيقول "وكثيرون من الراقدين فى تراب الأرض يستيقظون هؤلاء إلى الحياة الأبدية وهؤلاء إلى العار للإزدراء الأبدي"(2:12).
وأيضا (هوشع 2:6) يؤكد للمؤمنين أن الرب سوف يُقيمهم من الموت فيقول "يحيينا بعد يومين في اليوم الثالث يُقيمنا فنحيا أمامهُ."
السيد المسيح لم يدعو تلاميذه ب"إخوته" قبل القيامة للأسباب التالية:
يسوع المسيح جاء إلى عالمنا آخذاً جسدنا الأرضي ولكن بِلا خطية، جاء آخذاً صورة عبد، فتقول الكلمة الألهية "من تعب نفسهِ يرى ويشبع وعبدي البار بمعرفتهِ يُبرر كثيرين وآثامُهم هو يحملها" (اشعياء 11:53).
أنهُ لا يُريدنا أن نكون عبيداً كما يقول فى (يوحنا 15:15) "لا أعود أُسميكُم عبيداً لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده لكنني قد سميتكُم أحباء لأني أعلمكم بكل ماسمعتهُ من أبي."
إذن قبل القيامة كُنا سنكون عبيداًً، إخوة للعبد يسوع (أي الذي أخذ صورة عبد)، ولكن المسيح لا يُريد لنا أن نكون عبيداً، المسيح يُريد أن يرفعنا من العبودية إلى الملوكية أى ملوك أبناء ملك الملوك.
يسوع المسيح قبل الصلب والقيامة كان مُحتقراً ومخذول من الناس "مُحتقر ومخذول من الناس رجُل أوجاع ومُختبر الحُزن وكمستر عنه وجوهنا مُحتقر فلم نعتد بهِ" (اشعياء 3:53).
المسيح لا يُريدنا أن نكون مُحتقرين ومرزولين بل يُريد أن يُعطينا كرامة ومجد وهذا لم يتحقق في فترة وجوده على الأرض قبل الصلب والقيامة لأنه كان مُحتقراً ومخذول من الناس، ولكن بعد القيامة إسترد مجده الذي خلعه بإرادته، فأراد لنا أن نتمتع بقيامتةِ وأقامنا معهُ ووعدنا بالجلوس معهُ فى السموات.
يسوع المسيح قبل الصلب والقيامة كان ضعيفاً ومُهاناً حتى من أقربائهِ والمُجتمع حولهُ، فيقول أشعياء (7:53) "ظُلِمَ أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاه تُساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه."
المسيح لا يُريدنا ضُعفاء بل بقيامتهِ أعطانا قوة قيامته، قوة لاهوته لنغلُب بها كما غَلَبَ هُوّ.
يسوع المسيح جاء من أجل الخُطاة ولكى يدفع ثمن خطية الموت.
قبل الصلب والقيامة لم يدفع المسيح ثمن تبريرنا وبالتالى كُنا أموات.
المسيح لم يأتِ لكى يكون أخ لأموات بل هو الحياة ذاتها فهو يريد أن يُعطينا حياة أبدية، ولذلك بصلبه وقيامته بررنا وأصبحنا إخوة للبار الذى بلا خطية، فوهبنا الحياة وأحيانا بقيامته.
قبل مجئ يسوع المسيح كانت البشرية كلها ساقطة بسبب الخطية الموروثة من آدم.
المسيح لم يأتِ لكى يسكُن في الساقطين، أو ليكون أخ للساقطين، وإنما جاء لكى يُقيمنا من سقطتنا بعملية الفداء ودفع الثمن لكى يستردنا من إبليس ونكون أحرار في المسيح.
بقيامة المسيح تحررنا من سقطتنا وأقامنا معهُ وسكن فينا ونحن فيه وبالتالى دعانا إخوته.
قبل الصلب والقيامة يسوع المسيح هو إبن الله المُتجسد الذى جاء إلى أرضنا وخَلَعَ مجد لاهوتهُ آخذاً جسدنا الترابى ليُقدم لنا الخلاص، جاء لكى يرفعنا إلى السماويات ويُنسبنا إليهِ وللآب، وهذا ماكان مُمكن أن يحدث قبل أن يُقدم الفداء ويقوم ويصعد إلى الآب ويسترد مجده.
بعد القيامة رفعنا إليه وجعلنا إخوة له وأبناء لأبيه (يوحنا 17:20) "إذهبي إلى إخوتي وقولي لهُم إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم".
بسبب صلب وقيامة المسيح أصبحنا ننتسب للعائلة الإلهية.
يقول بولس الرسول في (1 كورنثوس 22:15) "لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيُحيا الجميع". من خلال آدم الإنسان مات جسدياً وروحياً فلا يُمكن أن يكون المسيح أخ لأموات بل هو إله أحياء لإنه الإله الحي القائم من بين الأموات فهو بِكر الراقدين (1 كورنثوس 20:15). بما أن المسيح قام فأيضاً المؤمنون به سيقومون وسوف لا يكون للموت سُلطان عليهم.
فكما قام المسيح كذلك المؤمنون به قاموا وأصبحت لهم حياة أبدية ولذلك أصبحوا إخوة لأخوهم البكر.
قبل القيامة لم يصعد المسيح إلى السماء أما بعد القيامة صعد إلى السماء وجلس عن يمين الآب وإسترد مجده وقوة لاهوته0 فهو يريد أن نكون له إخوة وشركاء في مجدهِ.
قبل الصلب والقيامة كان يسوع المسيح بيكلم الآب عن أحباؤه (راجع يوحنا 17) وفي صلاته طلب من الآب أن يحفظهُم ولكن بعد القيامة طلب من المجدلية أن تذهب إلى إخوتهِ وتُخبرهم أنه سوف يصعد إلى أبيه وأبيهم وإلهه وإلهُهم.
بمعنى أننا بقيامة المسيح أصبحنا في وحدة مع الثالوث. أصبحنا أبناء لله وورثة لملكوتة.
أثناء وجود يسوع المسيح على الأرض لم يُعطى لخاصتهِ الروح القدس ولكن بعد القيامة وصعوده إلى الآب نَفَخَ فيهم وقال إقبلوا الروح القدس، يقول الكتاب في (تكوين 7:2) "وجبل الرب الإله آدم تُرابا من الأرض ونفخ في أنفهِ نسمة حياة فصار آدم نفساً حيه."
إذن هنا عملية خلق للإنسان الأول وقد تمت بواسطة الثالوث لإننا لو رجعنا إلى (تكوين 26:1) نجد الآيه تقول "وقال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا."
عزيزي القارئ من فضلك لاحظ صيغة الجمع فى الكلمات (نعمل ، صورتنا ، كشبهنا) وهذا الجمع يُمثل الآب والإبن والروح القدس.
أول آية في أول إصحاح فى أول سفر في الكتاب المقدس (تكوين 1:1) تقول "في البدء خلق الله...." أى الآب الخالق.
ثانى آية (تكوين 2:1) تقول "وكانت الأرض خربه.. وروح الله يرف على وجه الأرض ..." أى الروح القدس.
ثم ثالث آية (تكوين 3:1) تقول "وقال الله ليكُن نور" أى الإبن الكلمة.
بعد القيامة قال المسيح إن لم أنطلق لم أُرسل لكُم الروح ولما قال إقبلوا الروح القدس فمعنى ذلك إنه صعد للآب.
مهم جداً أن نفهم أن الروح القدس مع المسيح من قبل أن يتجسد، وبعد ما إتجسد، ومُتحداَ به بدون إنفصال زمني أو جوهري.
ولكن بعد القيامة كان لابد من صعوده للآب وإسترداد مجده الذى تنازل عنه بإرادته، ثم يقوم بنفخ الروح القدس أى الثالوث، ينفخ نفخة حياة جديدة وهذة الحالة تُعتبر عملية خلق ولكن خلق جديدة.
وعلى ذلك الخليقة الجديدة أصبحت مُتحدة بالمسيح إتحاداَ كُلياَ، وبالتالى أصبحنا أبناء الله، وعلى ذلك حدث إرتقاء للخليقة القديمة وأصبح يدعوهم إخوة.
أحبائي .. ولهذه الأسباب نفسها المذكورة عاليه، قال الرب يسوع للمجدلية "لا تلمسيني لأني لم أصعد بعد إلي أبي."
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com