لا أدرى ما هو سر ذلك الولع لدى القوى السياسية المختلفة بالعودة إلى نقطة الصفر فى كل منعطف يتعلق بتطور العملية السياسية فى البلاد. هناك أمور أخرى يجرى فيها الولع والغرام مثل التوفيق بين ما لا يوفق، والتلفيق فيما لا يجب التلفيق بشأنه، ولكن نقطة الصفر والبداية من جديد، هى من الأمور الشائعة لدى الأطفال، والجماعات والأحزاب التى لم تنضج بعد، خاصة إذا شعرت بالخسارة، أو أنها لن يكون بمستطاعها الفوز. المناسبة معروفة وهى قرار المحكمة الدستورية العليا بالتحفظ على بنود بعينها فى قانون الانتخابات. لاحظ ما جرى بعد ذلك، الأحزاب مضافا لهم محللون، ونشطاء سياسيون يعملون تحت رداء التحليل، وضعوا الذنب كله على عاتق أنه لم تكن هناك مشاورات كافية قبل صدور القانون، حسنا فلتكن هناك مشاورات هذه المرة، والنتيجة هى العودة إلى نقطة الصفر مرة أخرى ونضع قانونا جديدا، سوف يكون بيننا من يسجد لله سائلا أن تعترض عليه المحكمة الدستورية العليا مرة أخرى، فنعود إلى نقطة الصفر من جديد، وهكذا تنفض المباراة الانتخابية قبل أن تبدأ من الأصل وتستطيع كل جماعة الادعاء أنها تمثل «إرادة الشعب».
هكذا لن يكون لدينا مباراة سياسية أبدا، وبدلا منها سوف يكون لدينا مباراة إجرائية، يسودها بعض من الافتراضات التى لا أدرى من أين أتينا بها. خذ مثلا تصور أن الانتخابات بالقائمة يخدم الحياة الحزبية، ومن ثم وجب التوسع فيها، حتى يقوم النظام الحزبى الذى هو كما نص الدستور ركيزة لديمقراطيتنا العظيمة. خذ أيضا أن النظام الفردى يشجع العصبيات والقبليات والعائلات وتدخل رأس المال فى الانتخابات ويدعو إلى العنف. وخذ أيضا أننا لا نستطيع عقد الانتخابات لأن شهر رمضان المعظم قادم، وقبله توجد امتحانات الثانوية العامة الرهيبة.
لم يقل لنا أحد أبدا كيف اختفت الأحزاب من بلدان ديمقراطية بعراقة بريطانيا، وواسعة وكبيرة بحجم الولايات المتحدة، ونظامها الانتخابى أساسه فردى ويقوم على الانتخاب من دائرة جغرافية بعينها تمثل سكانا بحجم معين. ولم يقل لنا أحد أبدا كيف أن النظام بالقائمة يمنع تدخل رأس المال، وإلا ليقل لنا كيف تقوم أحزاب غربية عريقة بالإنفاق على مرشحيها أثناء الانتخابات. وبصراحة هل يوجد لدى أى منا وسيلة نتخلص فيها من الشعب المصرى حتى لا توجد عصبيات وقبليات وعائلات. هل هناك فرصة لاستيراد شعب آخر، نقى ومعقم وصافى الإيمان بالديمقراطية والعقلانية والحكم الرشيد. من يتصور أيا من ذلك فهو لا يعرف شيئا عن تجارب شعوب قبلنا خاضت هذه المسيرة، ولم يكن لديها من وصفة سحرية إلا التعلم من التجربة.
وبصراحة فإنه ليس مفهوما لماذا يقف شهر رمضان ضد الانتخابات ولا يقف ضد العمل والحرب والإرهابيين وحركة الأسواق العالمية، بل وحركة المد والجذر فى البحر وتوالى الليل والنهار فى الكون. هل هذه هى مصر الجديدة فعلا أم أنها مصر القديمة جدا التى تختلق المعاذير حتى لا تفعل شيئا على الإطلاق. ما هى المعضلة فى إجراء الانتخابات خلال شهر رمضان، ولماذا لا تكون بعد الإفطار، طالما أننا سوف نصوم عن كل شىء أثناء النهار؛ وهل لا يوجد لدينا غير المدارس التى فيها امتحانات الثانوية العامة، فماذا جرى لمراكز الشباب ومئات الأبنية العامة وحتى الجوامع والكنائس التى لدينا. لا يوجد لدينا شىء يعطلنا عن المسار الديمقراطى إلا سد ثغرات المحكمة الدستورية، ومن يريد العودة إلى نقطة الصفر مرة أخرى، فإنه لا يريد لهذا المسار أن يكون.
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com