في وسائل الإعلام المصرية تجد عناوين صفحات الجريمة تدور حول جرائم لا تُصنف على كونها جرائم إلا عندنا، تصنيفها باعتبارها جرائم هو مؤشر واضح على سيادة فكرة الوصاية العقلية، السلطة السياسية والسلطة الدينية ومعهم الإعلام يتبارون في إظهار كونهم أوصياء على أخلاق المواطنين منذ فترة بعيدة.
لماذا تكون حرية الاعتقاد جريمة؟ ولماذا تتواجد جريمة اسمها ازدراء الأديان، ولماذا يتم رفع قضايا ضد هذا أو ذاك لمنعه من الظهور أو الكلام؟
لأنه ببساطة هناك افتراض شائع في المجتمع أن وظيفة الدولة أن تقوم بإدخال المواطن إلى الجنة، وبالتالي فطريق الجنة معروف ونحن نضمنه لك بالمزيد من الطاعة والخضوع المستمر، المواطن نفسه لدينا هو من لا يحرص على حماية حقوقه وحريته بقدر ما يحرص على أن تقوم الدولة بالتضييق على حرية غيره، فتجد المرأة تهاجم من يدافع عن حقوقها، وتجد مسلمًا لا يريد من الدنيا غلا منع مسيحي من بناء كنيسة، وتجد مسلمًا ومسيحيًا معا يتمنيان أن تعصف الدولة بالبهائيين إلخ.
ولكن ومع كون الأفعال المصنفة جرائم ضمن التابو الديني والسياسي في مجتمعنا، تظهر فيها فكرة الوصاية بوضوح، لكن هناك الأفعال المصنفة جرائم والمرتبطة بتابو الجنس وهذه تُظهرأمامك فكرة الوصاية في أعلى تجلياتها.
المجتمع يبدو في حالة انشغال شديدة بكيفية استخدام أفراده لأعضائهم الجنسية أو مؤخراتهم وماهي تصرفاتهم الجنسية.
قضايا مثل الدعارة، المثلية، العلاقة بين رجل وامراة غير متزوجين تشغل حيزًا ضخمًا من تفكير مما يثير الدهشة عن سبب شعورهم بالغضب أو الضيق نتيجة علاقة بين راشدين بإرادتهم، أو علاقة بين اثنين من المثليين، أو علاقة متعة قصيرة مدفوعة الأجر بين رجل وامراة.
وبالطبع فإن إجابة عمومية مثل حماية الأخلاق لا معنى لها هنا، فإن أحدًا لم يجبر هؤلاء الناس على ما يفعلونه، وما يفعلونه لا يلحق ضررًا بالآخرين، كما أنه حتى لو تم التنكيل بهم فهذا لن ينهي هذه العلاقات لأنها مرتبطة بطبيعة الإنسان عمومًا، والجميع يعلم أن أكثر دول العالم انغلاقًا تتواجد فيها هذه العلاقات.
وقد يسحب البعض الموضوع إلى زاوية الضرر الشخصي بالقول إنه يسعى للانتقام من هؤلاء لأنه يحمي ابنته من الخطيئة قبل الزواج ( لاحظ أنه دائمًا يتكلم عن ابنته وليس ابنه)، ولكن وبفرض أن الأمر كذلك فهل يحق له فرض ما يراه على ابنته الراشدة؟ الإجابة لدينا للغرابة نعم يحق له.
كنت أقود سيارتي ذات مرة منذ فترة لأجد سيارة بجانبي فيها امراة تصرخ ومعها رجلان، وما إنْ توقفت السيارة في إشارة مرور حتى قفزت المرأة من السيارة ليقفز خلفها الرجلان وهما يشتمانها بأقذع الألفاظ، وتجمهر الناس حولهم، وجاء الضابط، الرجلان يصرخان في الناس (ما حدش له دعوة دي أختنا وبنربيها)، وجاء الضابط ليطلع على "البطائق" ثم يصرفها معهم بعدما أدرك أنهما شقيقاها فعلا وأركباها السيارة بالقوة وهي لا زالت تصرخ، بينما وقفت أنا مذهولا وسألت الضابط وافرض قتلوها؟ فقال مصطنعا الحكمة (ساعتها تبقي حاجة تانية)، الأغرب أن الناس كلهم انصرفوا لحالهم بعد إدراكهم علاقة الثلاثة ببعضهم.
المرأة في الأغلب من الكلام المتناثر بينهم إمّا تزّوجت أو على علاقة بشخص على غير رضا أسرتها أو بغير علمهم، وهذا سبب كاف في المجتمع ليتم مطاردتها والإمساك بها وجرجرتها في الشارع، وربما حبسها أو قتلها، إرادتها هنا لا قيمة لها رغم كونها راشدة ناضجة، ويتفق المجتمع في اتفاق غير مكتوب على ذلك، لو تصرّفت الفتاة كما تشاء فستضع رأس العائلة في الوحل أمّا الشاب فهو حر، ليست غيرة على الأخلاق إذن ولا حبًا في مصلحة الابنة، بل حبًا للذات مما قد يجعل البعض يحرمون ابنتهم من الحياة أحيانا أو من حريتها أو حتى فقط من حقها في الاختيار حرصًا على صورتهم الاجتماعية.
وبالمثل ما الذي يضر المجتمع في علاقة اثنين راشدين من المثليين؟ لا شيء، ولكن مع ذلك فهناك رغبة دفينة لدى الناس للتنكيل بذلك الشخص إذا أمكنهم، الغريب أن هؤلاء الذين يصرخون هذا شذوذ يعتبرون زواج طفلة والدخول بها أو الاستمتاع بها جنسيًا أمرًا عاديًا ولا يجب أن يتم تصنيفه كشذوذ.
ومع ذلك فليست قضيتنا كون هذا شذوذا أو لا، فليس من حقنا أن نحاسب الآخرين على ميولهم أو تفردهم أو اختلافهم أو شذوذهم، ولكن قضيتنا أن الطفل هو من يجب أن تتم حمايته لأنه غير راشد، وبالتالي فهو مسؤولية المجتمع فعلاً كما هو الحال مع فاقد الأهلية بالجنون، ولا يمكن الاعتداد بإرادته الشخصية حتى لو توافرت، فكيف تمتنع عن حماية شخص حمايته جزء من مسؤولياتك، بينما تتطوع لفرض نفسك على شخص مسؤول عن نفسه؟ باستطاعتك أن تدير أموالك الخاصة كما تشاء، وباستطاعتك بل أنت ملزم بإدارة أموال القصر الذين تكون وصيا عليهم بكفاءة وكذلك الأموال العامة التي تديرها، ولكنّك لا تستطيع أن تذهب لشخص لا تعرفه لتأمره قائلا بِعْ سيارتك الفلانية واشترِ كذا. الخ
أما الدعارة فحالها أغرب فلا الاعتراض نتيجة أسباب صحية ولا نتيجة أسباب اجتماعية، فالمجتمع يسعى لعقاب المرأة التي قد تكون في حاجة إلى المال، بينما لا يسعى لعقاب من يدفع لها المال، هذا بخلاف السؤال المكرر طالما يرتضي الاثنان هذا فلماذا أتدخل؟ وإذا كان تدخلي لحماية المرأة من الاستغلال فلماذا أحبسها هي؟ ولماذا أصلا لا يحبس الرجل إذن؟ الهدف إذن هو فقط إدعاء التطهر والنقاء لا أكثر في ظل مجتمع يدعي الفضيلة.
بخلاف نظرة المجتمع، فإن السلوك الإعلامي أغرب بكثير فالإعلام الذي يقوم على الحرية وحماية حقوق الناس يغطي هذه المواضيع بعناوين بها قدر كبير من الوصاية والتسلط ، وإصدار الأحكام على البشر، لاحظ استخدام كلمات مثل ( ساقطات، منحرفات، شواذ، علاقة آثمة، ممارسة الرذيلة)، وهي كلها عناوين تحمل وصاية على البشر وتدخلاً في حياتهم، رغم أن هناك تعبيرات محايدة مثل (بائعات الهوى، فتيات الليل، علاقة جنسية، ممارسة الجنس) إلخ.
فالمحرر يختار عنوانا يفرغ به الغضب المجتمعي والاحتقار والأحكام القاسية على المتهم، إنها مرة أخرى عقلية الوصي على الأخلاق، والأسوأ أنه كثيرا ما ينتهك حقوق المتهمين بنشر معلومات أو صور عنهم كما حدث في أكثر من قضية مؤخرا.
الإعلام دوره مهم لتغيير عقلية الوصاية، ليس مطلوبًا منك أن تحتفي بتصرفات لا تعجبك أو تراها خاطئة، احكم على التصرف كما تشاء، ولكن لا تستخدم رأيك الشخصي في مضمون الخبر، بل استخدم تعبيرات محايدة عند وصف التصرف، والأهم من هذا كله لا تنقل الحكم على تصرف إلى حكم على فاعله أو المتهم بفعله، ولا تحاول التسلط عليه أو الشماتة فيه أو التشفي أو إظهار الموت او المرض أو البهدلة كأنها نتيجة لتصرفاته التي لم تلحق ضررا بأحد.
عقلية تمني الأذى لآخرين لانهم يفعلون في حياتهم الخاصة ما لا يعجبك هي عقلية مريضة بامتياز. فببساطة أنت لست مسؤولاً عن مؤخرات الآخرين وأعضائهم التناسلية.
نقلا عن دوت مصر
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com