تمنت أمريكا منذ عام 2005 أن تقوم فى منطقتنا العربية فوضى تعيد فيها ترتيب الأوراق بما يخدم مشروعها ومصالحها التى تتلخص فى تفكيك المنطقة وإحكام السيطرة على مواردها، وبما يضمن أمن وأمان «إسرائيل».. وقد أطلقت على هذا المخطط مصطلح «الفوضى الخلاقة»، ومنذ ذلك الحين وهى تحاول الاتصال بكل الأطراف الموجودة على الساحتين المحلية والإقليمية، لعلها تجد من يتجاوب معها ويستجيب لمخططها.. وكان ضمن من اتصلت بهم جماعة الإخوان.. ومن الواضح أنها نجحت مع بعض الأطراف وأخفقت مع البعض الآخر..
وكما هى عادة أمريكا، كان الاتصال على التوازى، ومن وجدت منه تجاوبا مضت معه حتى نهاية الشوط، ومن فقدت فيه الأمل تركته إلى غيره.. كان كاتب هذه السطور هو واحد ممن اتصلت بهم أمريكا عبر وسيط مصرى.. هذا الوسيط لم ألتقه، وإنما التقيت رسوله الذى نقل إلىَّ مضمون الرسالة، والذى تلخص فى قيام الإخوان بمظاهرات عارمة، يقوم مبارك على أثرها باعتقال الآلاف من الإخوان، ثم تتدخل أمريكا لإزاحة مبارك عن السلطة والإفراج عن الإخوان، وأخيرا تنصيب الدكتور عزيز صدقى، رئيسا مؤقتا، ريثما تتم انتخابات عامة..
ولما سألت عن المقابل، قيل وصول المرأة والأقباط إلى المناصب العليا فى الدولة، وضمان أمن وأمان «إسرائيل».. وكان ردى هو الرفض القاطع والحاسم، من منطلق وطنى بحت، وأنه مهما كان استبداد وفساد مبارك ونظامه، فلا نستعين بأحد- أيا كان- لتغييره.. والسؤال: هل اتصلت أمريكا بقيادات أخرى من الإخوان؟ لا أثبت ذلك ولا أنفيه، لكن ما عرضه «الخرباوى» فى كتابه «سر المعبد»، وما ذكره «عبدالعظيم حماد» فى مؤلفه «الوحى الأمريكى.. قصة الارتباط البناء بين الأمريكان والإخوان»، يشير إلى ذلك.. من ناحية أخرى، وحتى تكتمل الصورة، فإنه كما كانت أمريكا تريد أن تطيح بمبارك عبر مظاهرات عارمة، كانت حركة «كفاية» فى نفس الوقت تستهدف الشىء ذاته عام 2005، وقد تحدث معى بعضهم فى ذلك من منطلق أن الجماعة الوحيدة القادرة على حشد مائة ألف فى ميدان التحرير هى جماعة الإخوان.. وكان رأيى استحالة ذلك، فالأجهزة الأمنية بوسائلها المختلفة تستطيع منع الإخوان من التجمع فى القاهرة، وذلك بسد كل من مخارج المحافظات ومداخل القاهرة. وعندما أعلن عن تظاهرة فى 25 يناير، كان من رأى الإخوان عدم المشاركة فيها.. ولم يشارك منهم سوى 2500 شاب وفتاة، لكن على مسؤوليتهم الخاصة.. ولم تشارك الجماعة بشكل فعلى إلا يوم 28 يناير (جمعة الغضب)، وبعد أن تم إلقاء القبض على 34 من قياداتها، كان منهم محمد مرسى، سعد الكتاتنى، سعد الحسينى، مصطفى الغنيمى، عصام العريان، سيد نزيلى، صبحى صالح، وآخرون..
لكن اللافت للانتباه هو استجابة قيادة الجماعة للحوار الذى دعا إليه عمر سليمان (نائب مبارك آنذاك)، وهو ما اعتبرته وصمة عار فى تاريخ الجماعة.. وكان من رأيى عندما اتصل بى بديع هاتفيا ألا يذهب أحد، حيث كان الهدف هو شق صف القوى الثورية، وبالتالى إفشال الثورة.. لكن قيادة الجماعة- للأسف- خانت ما كان متفقا عليه، وهو أنه لا حوار إلا بعد رحيل مبارك.. وقد حدث فى تلك الليلة لقاء منفرد بين عمر سليمان ومرسى والكتاتنى، حيث طلب منهما سحب شباب الإخوان من ميدان التحرير فى مقابل الإفراج عن خيرت الشاطر وحسن مالك، والاعتراف بمشروعية الجماعة.. لكن الشباب الموجود فى ميدان التحرير رفض ذلك وأبى الخروج من الميدان..
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com