لهجة بعض الإعلاميين اختلفت هذه الأيام، وأصبحت أكثر ميلاً إلى النقد، وطالت الألسنة والأقلام بعض مؤسسات الدولة التى توصف بالسيادية! وتطرق بعض الإعلاميين إلى موضوعات ظلت على مدى شهور طويلة عشناها بعد الموجة الثانية من ثورة يناير (موجة 30 يونيو) من المحرمات التى يصعب الاقتراب منها. لاحظ بعض المتابعين ذلك، وطرحوا تفسيرات متنوعة فى تفسير هذه الحالة، وأريد فى هذا السياق أن أركز على سببين أساسيين يصح أن ننظر إليهما كعاملين شاخصين يقفان وراء هذا التحول.
العامل الأول: تراجع شعار «لا صوت يعلو فوق صوت الحرب على الإرهاب». فمنذ ما يقرب من العامين تواجه الدولة المصرية بالفعل إرهاباً حقيقياً يستهدف النظام كما يستهدف الشعب، لكن متاجرة البعض بهذا الشعار بالحق وبالباطل أدى فى بعض الأحوال إلى تعطيل دور الإعلام فى الرقابة الاجتماعية، ورصد نقاط القوة والضعف فى أداء مؤسسات السلطة التنفيذية، وللأسف الشديد فقد أدت المبالغة فى توظيف هذا الشعار إلى دفع هذه المؤسسات إلى الاتكال على مبدأ أن أحداً لن يسأل المؤسسة عن أدائها، وأن من يجرؤ يمكن اغتياله معنوياً بسهولة، من خلال وصمه بوصف: «الطابور الخامس» أو «الخلية النائمة»، وفى أقل تقدير نعته بالسقوط فى دوائر الغيبوبة وعدم إدراك الخطر الذى يحيق بنا من كل حدب وصوب! القاعدة الإنسانية تقول إن كل شىء له أول لا بد أن يكون له آخر، ولو تمتع بعض المسئولين بأدنى درجات العقل أو الحكمة لأدركوا أن سوء الأداء إذا مر فى واقعة، وفى واقعة ثانية، فإنه لن يمر فى الثالثة، وأن منطق الخرس الإعلامى عن الأخطاء لن يدوم، لأنه ببساطة سيؤدى إلى سقوط النافذة الإعلامية فى أعين الجمهور. ومن سيواصل العمل بمعادلة «لا صوت يعلو» عليه أن يفهم أن فى ذلك نهايته، لأن الحكى فى «المتحكى» لم يعد يأكل «عيشاً» مع أحد.
ويرتبط عامل الخروج من دائرة «الخرس الإعلامى» وشعار «لا صوت يعلو» بعامل ثان، يتعلق بذلك الإحساس الذى بدأ ينتاب بعض الإعلاميين داخل برامج «التوك شو» والصحف المطبوعة، وتحديداً الصحف الخاصة، بأن الجمهور بدأ يعزف عنهم، ويحجم عن متابعتهم، لا لشىء إلا لأنهم تخلوا عن تلك الفضيلة التى حققت هذه النوافذ الإعلامية جماهيريتها بناء عليها، وهى فضيلة النقد، نعم كان التطبيل الإعلامى «يدوش» و«يشوش» أدمغة الكثيرين فى البداية، لكن ذلك لم يدم، ولم يكن له أن يدوم، لأن الكثير من النوافذ الإعلامية ربَّت المتلقى خلال السنوات الماضية على فكرة النقد، وعودته على الكشف عن أوجه القصور فى الأداء، وقد كان من الطبيعى أن يتقبل منها الجمهور فكرة التطبيل فى البداية، فى ظل زخم وسياق، تعشم فيه المواطن أن تتمكن الدولة من القضاء على الإرهاب، وتهدئة الأوضاع، ودفع عجلة الاقتصاد إلى السير من جديد، لكن ذلك لم يحدث، فما زال الإرهاب يضرب، والأوضاع غير مستقرة، والاقتصاد راكد. وهى أمور ظل المواطن يحسها لشهور ويتعجب من هروب الإعلام من معالجتها، وشيئاً فشيئاً أخذ يهرب منه، الأمر الذى دفع بعض الإعلاميين إلى العودة إلى أداء دورهم الرقابى من جديد. الخلاصة أن الإعلام يصنع أوثانه من «العجوة» يرقص لهم نهاراً ويأكلهم ليلاً!
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com