جرى الانسحاب من سيناء على مراحل طبقا لاتفاقية كامب ديفيد. أما العلاقات الطبيعية بين الدولتين، فتحدث فقط عند انسحاب إسرائيل إلى خط العريش رأس محمد. وفي آخر مرحلة للانسحاب التي تصل بها مصر إلى حدودها الدولية: «تمارس مصر سيادتها كاملة على سيناء» طبقا لما هو مثبت في المادة الثانية. غير أن خصوم الاتفاقية صاحوا: غير مسموح لنا بوضع مدرعاتنا في المنطقة الملاصقة لحدود إسرائيل، وبذلك نكون فاقدي السيادة عليها.. آه يا سيادة.. كيف نعيش من غير سيادة.. منك لله يا سادات ياللي رجعت لنا سينا من غير سيادة.
كان رئيس دولة إسرائيل في ذلك الوقت هو إسحاق نافون وهو يهودي عراقي، كان حريصا في أحاديثه على أهمية البعد الفني والثقافي بين البلدين كأساس متين للعلاقات الطبيعية. وسرت في ذلك الوقت شائعة بأن إسرائيل ستكتفي بالانسحاب إلى خط العريش رأس محمد. وبذلك تحصل على علاقة طبيعية مع مصر بغير أن تنسحب إلى الحدود الدولية. عندها شعرت الحكومة بالفزع، ولذلك أصدر مجلس إدارة النقابات الفنية الثلاث قرارا يمنع الفنانين المصريين من التعاون فنيا مع إسرائيل. هذه هي بداية ما يسمى حركة «عدم التطبيع» التي تبنتها بعد ذلك بقية النقابات. ربما تسأل.. وما هي صلة الدولة بالنقابات..؟
هي صلة روحية.. يعني أحيانا الحكومة ترفع رأسها إلى السماء وتقول بابتهال: يا رب النقابات تعمل كذا وكذا.
وعلى الفور تقوم النقابات بتنفيذ ما تريده الحكومة. وظهرت مقولات طريفة لدعم حركة عدم التطبيع وأشهرها «هناك فرق بين الأنظمة والشعوب، ربما يعقد النظام اتفاقية ما مع دولة من الدول، غير أن الشعب ليس ملزما بتطبيق هذه الاتفاقية ولا حتى الاعتراف بها». معنى ذلك أن من حق أي دولة تعقد معنا اتفاقا أن تقول لنا: لو سمحتم، بعد أن يوافق رئيس الدولة والحكومة ومجلس الشعب على هذه الاتفاقية.. هاتوا لنا الشعب المصري يوافق هو أيضا.
وظهرت تهمة جديدة في الشارع الثقافي وهي التطبيع واسم ضحاياها هو المطبعاتية ومفردها تطبيعي. ولقد وجهت هذه التهمة المرعبة لكثيرين، غير أن عددا كبيرا منهم تم علاجه بنجاح وتخلص من المرض نهائيا.
منذ ثلاثة أيام تكلم مذيع الصباح في محطة ONT عن مفاوضات تجري بين الجانب الإسرائيلي، وجماعة حماس لعمل هدنة مدتها خمسة أعوام قابلة للتجديد. غير أن مسؤولا في حماس سمى هذه المفاوضات «دردشات» واستعان المذيع بالأستاذ سمير غطاس رئيس أحد المراكز البحثية المتخصصة في الصراع العربي الإسرائيلي، الذي أوضح لنا أن هذه الحكاية قديمة، وأن الجرائد الإسرائيلية تكلمت عنها كثيرا.
وهنا بدأت أتساءل.. لماذا لم تنبهنا الجرائد المصرية والإعلام بشكل عام إلى علاقات التطبيع بين حماس وإسرائيل..؟ وقفزت الإجابة إلى ذهني: الإعلام المصري في مجموعه، مصري، مصري جدا، يعني مهتم فقط في أفضل أحواله بما يحدث داخل مصر.. هو إعلام وطني لا يخرج عن حدود الوطن.. وهل نحن في حاجة إلى معرفة ما يحدث داخل إسرائيل..؟ وتلك الدردشات بينها وبين حماس؟.. هل حضرتك تطلب منا أن نكون مطبعاتية..؟
أعوذ بالله.. لا طبعا.. خليكوا في اللي انتم فيه.
نقلا عن الشرق الاوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com