بقلم/ عزت بولس
عند متابعتي أحوال بلادنا منذ" الانتفاضة" التي أطاحت بحكم الإخوان المسلمين في قيادة مصر ، تتراوح أحاسيسي وانطباعاتي عن الأحوال اليومية بين التفاؤل والتشاؤم بحدية وتناقض الشعورين.
التفاؤل في مستقبل أفضل لأبناء مصر، بعد معاناة لسنين طويلة انحدرت فيها الأخلاقيات بمصر إلى مستويات متدينة ، حيث ارتفعت مظاهر التدين إلى مستويات عليا ، كان متوازيًا معها انحطاط أخلاقي كبير بل وفقدان لكل معاني الإنسانية- هنا أعني سلوكيات الأفراد داخل المجتمع – بعكس المجتمعات الغربية التي ينتهج الفرد بداخلها أعلى درجات الإنسانية، دون أن يكون ملتزمًا بتأكيد مظاهر إنسانيته تلك بزي تدين أو سلوك تدين بعينه، بالطبع هنا لا أقصد أن تلك الإنسانية الغربية على المستوى الفردي ممتدة للسياسات، فالسياسة لا أخلاقيات داخلها فالمصالح وحدها من تتحكم بالقرار.
جهود الرئيس السيسي من أجل رفعه مصر الوطن تجعلني أتفاءل بل وترفع " معنوياتي" وقتيًا، لكن بمعايشتي للواقع المصري وألمح حجم اللامبالاة للأغلبية أفيق من تفاؤلي، حيث غالبية الشعب مع خالص الأسف يعتقد أن الحياة ستصبح أفضل دون جد وعمل!!
وتتابع الأحاسيس بين التفاؤل والإحباط والتشاؤم كأمواج البحار، فعندما ينادى البعض بخطاب عقلاني بعيدًا عن السيئ من المورثات الثقافية والفكرية والاجتماعية والدينية، ونري عقول منفتحة تبرز على الساحة منادية بثورة على كل ذلك، تعلوا معنوياتي لفترة ليست بطويلة، لتخمد مرة أخري عندما يبدأ الفكر الظلامي في بث أمواجه العاتية لتطغي على الفكر المستنير فكر المستقبل، فتتسرب أحلامي بمستقبل أفضل للوطن مصر، كما تتسرب المياه بين حبات الرمال.
قام الشعب المصري بثورتين ابهروا العالم بها ، وتخلصوا من نظامين "عقيمين" ولكن لم يستطيعوا أن يقوموا بثورة على أنفسهم، ثورة على أفكارهم التي يتدولوها منذ مئات السنين دون مراجعه، أو محاولة لتقيمها، بل ومع كل الأسف يزداد – المصريين – تشبث بها تحت الكثير من الحجج الواهية مثل" أن ثقافتنا مختلفة عن ثقافات العالم" دون محاولة إدراك أن ما نُطلق عليه " خصوصيتنا الثقافية" لم يدفع البلاد إلا إلى مزيد من التخلف.
أعلم تمامًا صعوبة القفز بالعقل لمستويات جديدة من التفكير، فإعمال العقل قد يكون في معظم الأحيان غير مريح لمن هم تعودوا أن يتقبلوا أفكار غيرهم من مدعى الفكر والثقافة والورع والتقوى، دون أدنى محاولة لمناقشة أي فكرة يتلقوها مع أنفسهم.
ويبقى التساؤل عالقًا" كيف يمكن لحكومة بسياستها الحالية أن تفرض نظرتها المستقبلية، على التخلف الفكري والعفن المنتشر في جميع إدارات الدولة ؟وهل تنتظر أن تتفتح العقول لوحدها دون تدخل قوى؟
أن الانتظار حتى تتفتح العقول "لوحدها بقدرة قادر" سوف يدفع بعجلة التقدم والحضارة إلى الخلف، وبالرغم من أن رئيسنا يصارع الزمن لإنجاز المشاريع الاقتصادية العملاقة، يتبقى مشروع قومي قوى كبير لإزالة العوائق الفكرية بالذهنية المصرية لتواكب الطفرة الاقتصادية المأمولة.
لا شك أن هناك محاولات جادة ل"صنفرة الفكر، وصدأ العقول، ولكن تأثيرها محدود في تحويلها لقرارات الحاسمة، فتنجح هبه" العقول البالية "لتتصدى لكل دعاوى الحداثة، وتنعت الجديد ب"العلمانية الكافرة"، وتبقى دعوات تحديث الخطاب الديني والحث على تنظيم النسل، وقرارات توزيع الدعم بطريقة عادلة بين فقراء الشعب ،ومحاربة العفن الإداري المتفشي بين أروقة الإدارات الحكومية غير مؤثرة، حيث تنطفئ دعوات الإصلاح وتتوارى تحسبًا للفئة الأعلى صوتًا المستندة لعطب التفكير المسمي" خصوصيتنا الثقافية" .
التغيير فُرض على شعوب كانت رافضة لها، الحبيب بورقيبة في الستينيات دعي إلى قيام صلح واعتراف بدولة إسرائيل، فهاج العالم العربي وماج، ووصف ب"الخائن" ونعت بأقذر العبارات، لكن مع السنوات اتضحت صحة أفكاره.
قام بورقيبة بإصدار قوانين تتعلق بالأسرة وحقوق المرأة، كانت في وقتها سابقة للزمن، فأخذت المرأة موقعها في المجتمع وأصبح المجتمع التونسي من أعلى البلدان العربية ثقافة وتعليمًا.
الرئيس أنور السادات في وقت كانت فيه الحروب بيننا وبين إسرائيل لم تهدأ بعد، قرر برؤية ثاقبة استطاع اتخاذ قرار جريء، ألا وهو إخراج مصر من دائرة الحروب الطاحنة التي دمرت اقتصادها عشرات السنين، والآن نشيد بقدراته السياسية ورؤيته التي كانت في وقتها غير مستساغة من بعض أصحاب العقول المنغلقة، في حين رفض نظام سوريا والعراق خطوات السلام الجريئة مع إسرائيل، والنتيجة دول فاشلة غير قادرة على السيطرة على أراضيها .
بمصر الآن نحتاج لقرارات جرئيه قوية واضحة، لإنقاذ وطننا من التدهور، وبلا شك سوف تقابل بالرفض، وهذا طبيعي لأن تقبل التغير والحداثة صعب، ولكنه ضروري، نحن في حاجة لطرح الرأي بشجاعة وتفعيل قوانين لتنفيذها دون الخشية من ردود أفعال بعض الموتورين، الذين لا يريدون لمصر غير أن يظل ظلام الفكر هو المسيطر على العقول.
جميع المشروعات الاستثمارية سوف لا تقودنا إلى التقدم المنشود، إذا لم نعمل على المشروع الأكبر والأهم وهو تنوير العقول بنفس القوة والسرعة التي نقوم بيها في حفر قناة السويس الجديدة، علينا تغيير مجرى تفكيرنا لنواكب العصر، انه مشروع المستقبل والاهم الذي يجب أن نركز علية وندفعه دفعًا بكل قوة وجساره وإقدام لتحقيقه.
نحتاج إلى فكر عصري،وإلي إرادة قوية، ينصاع الشارع لها ولا ينصاع صاحبة إلى فكر الشارع الذي بطبيعته يرفض العصرية ليحافظ على الدونية في مواجهة الحداثة.
تأملات:
** تطوير النفس يحتاج للتطوير الفكري أولاً، فمها حصلت على شهادات علمية ومكأفات مادية، لن تتطور طالما فكرك " محلك سر".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com