بقلم: سوسن ابراهيم عبد السيد
كنت أشاهد فيلم "احكى يا شهرزاد"...واستوقفنى مشهد الفنانة "منى زكى" حينما استقلت مترو الأنفاق...وهى غير محجبة...وكيف كانت نظرات الإزدراء تحيطها من النساء اللواتى يقفن معها فى نفس العربة...ويبدو أن هذه النظرات لم تقتصر على مترو الأنفاق فقط، بل امتدت طوال سيرها فى الشارع...حتى أنها اضطرت إلى ارتداء ايشارب يغطى شعرها...ورغم أن ملبسها كان بمفهوم هذا الجيل ـ ستايل ـ إلا أنها لم تقابل المهانة فى نظرات من حولها فيما يخص ملبسها، بقدر ما أهانتها تلك النظرات حينما رأتها النساء، و هى بدون حجاب.
و حديثى الآن ليس عن الحجاب كملبس ترتديه الغالبية العظمى من سيدات وفتيات المجتمع المصرى...ولكن عن مظاهر التدين التى أصبحت تحيطنا فى كل شئ، وفى كل مكان.
ولا تقتصر هذه المظاهر على الإخوة المسلمين فقط، ولكن علينا- وبنظرة محايدة- القول بأن ظاهرة التدين الظاهرى موجودة فى كل الديانات ....
وبوقفة صادقة لابد أن نواجه أنفسنا بهذه الإشكالية؛ حتى لا نواجه فيما بعد نتائج غاية فى الخطورة...قد لا تلقى بسلبيتها علينا فقط ولكن ستذوق الأجيال القادمة تبعات تلك المشكلة.
وقبل أن نعيب على الآخر سلوكياته- سواء كان مسلمًا أو مسيحيًا أو حتى يهوديًا بتلك التهم- أدعو كل فرد منا أن يحاسب نفسه أولاً..هل تصلى إلى الله وقلبك كله متجه إليه؟؟
هل تغرس فى أولادك كيفية تطبيق آيات الكتاب المقدس دون مغالاة, وتعمل معه على أن تكون قدوة حسنة؟؟
هل لديك القدرة على مناقشة الآخر وتقبُّل آرائه والتنازل عن التمسك بفردية أفكارك، وامتلاكك للحقيقة المطلقة؟؟
عمليًا، وعلى أرض الواقع، لا يصح أن يعلّم الأب ابنه الصدق وحينما يتلقى مكالمة هاتفية من شخص لا يرغب فى التحدث إليه يقول لابنه: ابلغه بعدم وجودى!!
لا يصح أن تنصح الأم ابنتها بارتداء ملابس محتشمة، والذهاب إلى الكنيسة وهى غير ملتزمة بذلك فى زيها!! بل والافظع أن تذهب إلى الكنيسة ويكون ذلك عثرة لها ولابنتها، فإذا ما وقفت فى ذلك المكان المقدس، والمفترض أنها ذاهبة إليه لمشاركة إلهية, تجدها تنظر إلى فلانة أو علانة؛ لتنتقد ملبسها أو طريقة تعاملها مع سيدة أخرى..
لا يصح أن خادمًا كنسيًا لكى يلاقى حظوة فى عيون من حوله من خدام أو كهنة، يحيك المؤامرات للإطاحة بخادم آخر محبوب ممن حوله...
الأمثلة كثيرة وعديدة لما يحدث بين إخوة المعمودية الواحدة بعضهم البعض, تعكس أن ما يفعلونه أشد وأكثر قسوة مما يفعله ممن هم من غير ديانتنا.
فما الفائدة من تطبيق نصف الوصية التى تظهر للناس روحانياتى وأنا فى داخلى أتمسك بكل ما يبعدنى عن الشراكة الفعلية مع المسيح؟؟
ما فائدة أن أعلّم أولادى قول الحق، وعندما أجد أن هذا الحق قد يضرهم, أعود و أنصحهم بالصمت، وأدعوا ذلك حكمة؟؟
إن خطورة التدين الظاهرى تكمن فى عدم حصول الشخص على سلامه النفسى، بل إنه يصبح رغمًا عنه يعيش بإزدواجية...فهو مطالب بالظهور أمام الناس بصفته الدينية التى تعطيه هالة من الوقار يلاحظها فى نظرات من حوله؛ فتشبع غروره وتشعره بالزهو. بل وقد يتمادى فى الضحك على الآخرين بأن يحاكمهم بتقصيرهم فى أداء واجباتهم الدينية، ويضعهم فى مكانة دونية... ومن جهة أخرى، وحين ينفرد بنفسه، يجد أن الخطية أصبحت فعلا معاشًا, يفعله فى الخفاء و يتلذذ به، ولا يشعر بتبكيت للضمير لأن لديه قناعة- ولو زائفة- بأنه يرضى الله من جهة أخرى.
لماذا ينتشر الإنحلال الأخلاقى فى أكثر المجتمعات تدينا؟ فى حين أن أكثر المجتمعات الراقية، والتى تتسم بالوسطية الدينية، هى التى تحترم حقوق الإنسان؟؟
بالطبع لأن كل ممنوع مرغوب....
لقد حذّرنا رب المجد من الإنزلاق فى هذه الهاوية المسماة "التدين الشكلى"، أو "التدين الظاهري"،وقال: يقترب إلىّ هذا الشعب بفمه ويكرمنى بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عنى بعيداً" (مت 15 : 8) ..
احذروا يا إخوتى أن تكونوا مثلما قال ربى وإلهى: كالقبور المبيضة من الخارج
تهتم بالعبادة والطقوس، والذبائح والبخور، تاركًا أثقال الناموس: الحق والرحمة! (مت 23 : 23).
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com