هي مقولة شعبية قديمة تقول «انصح صاحبك من الضحى للعصر وآخر النهار غشه»، وأنا هنا لا أناقش مدى صلاحية هذه المقولة كقاعدة للسلوك الإنساني، فحتى لو كانت صحيحة فلن آخذ بها، لأنني أرفض أن أغش أي مخلوق بهدف إصلاحه، الوضع الأمثل هو أن تتركه يغش نفسه بنفسه إلى أن يروح في داهية بعيدا عنك وعن نصائحك.
لكن موقفي من هذه المقولة الشعبية يجب ألا يمنعني من فهمها على نحو صحيح. وما وصلت إليه من فهم هو أن تنصح شخصا طول الوقت بأن يكف عن الفهم الاشتراكي للأمور، وأن يؤمن بأن نجاته هي في الاقتصاد الحر، وأن الدولة وظيفتها إدارة مصالح البشر بعيدا عن تملكها. لكن هذا الشخص لا يستمع لما تقول، هنا وفي آخر النهار يجب على سبيل العقاب أن تنصحه بالاستمرار في ما يفعله، فربما هو متمسك بقاعدة سلوكية أخرى لها وجاهتها، وهي «وداوني بالتي كانت هي الداء»، فربما كانت هذه القاعدة كفيلة بحل كل مشاكلنا.. وذلك عندما يكون حل مشكلة البطالة هو المزيد من البطالة، ومشكلة عجز الميزانية هو المزيد من عجز الميزانية... وهلم جرا. فنحن نشكو مثلاً من الأرقام الفلكية للعاملين في مبنى التلفزيون، ومن ضعف أدائه في الوقت نفسه، والحل هو إنشاء مائة محطة تلفزيونية جديدة تابعة بشكل أو بآخر للدولة، وهو المشروع الذي بدأ تنفيذه بالفعل. فجريدة «الأهرام» تستعد الآن لإقامة محطتها الخاصة، ومن المستحيل بالطبع أن تخرج مؤسسة «أخبار اليوم» من السباق، بالتأكيد ستعمل على إنشاء محطة تلفزيونية لها، ثم تنضم جريدة «الجمهورية» للسباق. والأزهر أيضًا قطع خطوات لإقامة محطة التلفزيون الخاصة به.
لا بد من محطة تلفزيونية خاصة بوزارة الصحة. وأنا أؤكد أن نسبة المشاهدة فيها ستكون عالية لدرجة مدهشة، ففي كل بيت في مصر يوجد على الأقل مريض يبحث عن علاج على الشاشة بعد أن فشل في العثور عليه في المستشفيات. أقترح أن يكون شعار المحطة هو «العلاج في كل بيت.. لماذا تذهب إلى المستشفى بينما أنت قادر على العلاج في بيتك؟»، ثم محطة تلفزيونية لوزارة التربية والتعليم وشعارها «من خرج من داره اتقل مقداره.. تعلم في بيتك، التعليم مسؤولية كل متعلم»، وبذلك نتمكن من علاج مشكلة المدارس التي لا يذهب إليها الطلبة والمدرسون.
غير أن الاهتمام بإنشاء المحطات التلفزيونية يجب ألا ينسينا الاهتمام بالإعلام الورقي. جرائد الصباح عندنا تغطي فترة الصباح، أما فترة المساء فكانت تغطيها جريدة «المساء» فقط، غير أن مؤسسة «الأهرام» تنبهت لذلك وأصدرت «الأهرام المسائي»، وأخيرا تنبهت مؤسسة «الأخبار» وأصدرت «الأخبار المسائي». لكن ماذا عن فترة الضحى وفترة الظهر وفترة العصر ثم المغرب، أليست في حاجة لجرائد تغطي الأخبار في هذه الفترات؟.. أم أننا نخشى زيادة الأعباء على الدولة؟ ربنا هيسترها معانا.. ألم يسترها معنا الله سبحانه وتعالى في الأعوام السبعين الماضية؟
نقلا عن الشرق الأوسط
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com