حقاً المستشار عدلى منصور من رجال مصر الذين يستحقون كل التقدير والتكريم، سواء وهو على منصة القضاء نائباً ثم رئيساً للمحكمة الدستورية العليا، أو وهو رئيس للجمهورية بحكم الدستور عندما شغر المنصب بقيام ثورة 30 من يونيو التى أطاحت بطغيان الفئة التى كانت تدَّعى الحكم باسم الإسلام.
وما أظن أحداً يستطيع أن يذكر كلمة واحدة نابية خرجت من فم المستشار عدلى منصور مهما كانت تسوء الظروف وقرارتها، فى المدة التى تولى فيها الرجل منصب الرئاسة.
وقد أحسنت مكتبة الإسكندرية – كشأنها فى كل ما تفعل – إذ أصدرت كتاباً تذكارياً بعنوان «عدلى منصور – رئيساً لمصر».
وقد قدم الدكتور إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، هذا الكتاب بعبارات تستحق أن تسجل، إذ قال فى تقديمه «كان من حسن حظ مصر أن يقدر لها الله عز وجل النجاة من الانهيار والتغلب على الأخطار فى مرحلة فاصلة، حيث جاء المستشار عدلى منصور، رئيس المحكمة الدستورية العليا، كرئيس مؤقت للجمهورية وفقاً لخارطة الطريق التى أقرها الشعب لحين انتخاب رئيس جديد». وجاء فى ذلك التقديم أيضاً: «كان أغلب المصريين قد يئسوا من وجود رئيس على رأس الدولة زاهد فى الحكم طاهر اليدين يسعى إلى مصالح الناس ومصالح البلد لا مصالحه هو أو مصالح من حوله.
وهذا كلام صحيح، فقد تولى حكم مصر فى الفترة السابقة رئيس بقى ثلاثين عاماً جرى فيها تجريف كل شىء طيب فى مصر، وأصبحت مصر التى كانت فى قلب أمتها العربية لا قيمة لها ولا أهمية ولا أحد يحسب لها حساباً.
وقد تحدد مصير نظام مبارك واقتربت نهايته بعد الانتخابات التى زُوِّرت تزويراً فاضحاً فى أواخر حكمه، والتى لم ينجح فيها معارض واحد.
وقامت ثورة الخامس والعشرين من يناير التى أزاحت حكم مبارك. ولكن الثورة للأسف لم تكتمل بتنحى مبارك – بشخصه – عن الحكم وخلف من بعد مبارك خلف أسوأ منه وأكثر ضلالاً.
تولى رئاسة مصر الدكتور محمد مرسى وكان الذى يحكم فعلاً هو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين. وكانت السمات الأساسية لهذه الفترة الكئيبة هى استئثار الجماعة الحاكمة بكل منصب أو عمل أساسى فى مصر، وإقصاء الناس جميعاً عن أى عمل أو منصب ذى شأن.
الاستئثار والإقصاء وإنكار المواطنة. وما أظن أن هناك أكثر بعداً عن الحكم الديمقراطى من هذه الصورة الكريهة. واستطاع الشعب المصرى بمد ثورى جديد إكمال ثورة الخامس والعشرين من يناير، وذلك فى الثلاثين من يونيو 2013 بإزاحة حكم الإخوان المسلمين ورئاسة الدكتور مرسى بطبيعة الحال. ولما لم يكن هناك برلمان قائم مكانه فإنه كان حتماً أن يتولى رئيس المحكمة الدستورية العليا رئاسة الجمهورية بصفة مؤقتة.
وهكذا تولى المستشار عدلى منصور رئاسة مصر فى ظروف بالغة الدقة والصعوبة. وكما قال مدير مكتبة الإسكندرية فى تقديم الكتاب التذكارى الذى أشرت إليه: «جاء المستشار عدلى منصور فدائياً فى معركة إنقاذ مصر منتصراً لإرادة الشعب».
وأعلن عدلى منصور منذ اليوم الأول أن زمن الطغاة قد انتهى، وزمن الإقصاء قد انتهى، وأن مصر لكل المصريين، وهذا ما كان منتظراً من رجل جلس على منصة القضاء الدستورى التى كانت فعلاً وعملاً تعلمنا حقوق المواطنة وحقوق الإنسان.
وفى ظل ولاية المستشار عدلى منصور تمت المرحلتان الأولى والثانية فى خريطة الطريق: المرحلة المتعلقة بوضع مشروع الدستور والاستفتاء عليه، والمرحلة المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية وفقاً للدستور الجديد. وقد تمت المرحلتان بكل النزاهة والشفافية.
ويشهد بذلك كل نظر موضوعى.
أما المرحلة الثالثة والمتعلقة بالانتخابات البرلمانية فإنها حقاً المرحلة التى تمثل قدراً كبيراً من الخطورة، وذلك ليس لعدم قدرة الشعب المصرى على استيعاب النظام الديمقراطى، كما تحاول أن تروّج بعض الدوائر الغربية، ولكن السبب واضح، وهو أن الأحزاب المدنية لم تستطع أن تغرس جذورها فى التربة المصرية، سواء فى المدن أو القرى وفى شمال مصر أو فى صعيدها.
وهذه مسؤوليتنا جميعاً.
وأظن أن مصر تستحق منا جميعاً أن نبذل فى سبيلها كل مرتخص وغال.
وعلى الله قصد السبيل.
وهو الموفِّق والمستعان.
نقلا عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com