الصراع بين «السيسى» و«شفيق»، أو بين رابطة النظام الجديد وقطاع لا بأس به من فلول المخلوع أساسه موجة «30 يونيو»، وهو بعيد بُعد السماء عن الأرض عن ثورة يناير. ولكى نفهم المسألة أكثر لا بد أن نأخذ فى الاعتبار أن الأداء السيئ ومحاولة الاستحواذ على مصر والمصريين كانا السر الكامن وراء تلك الأضداد التى نزلت ضد الجماعة ورئيسها، فاجتمع فى الحشد الذى تقاطر إلى الشوارع فى 30 يونيو أشد المؤمنين بثورة يناير، إلى جوار أشد الكارهين لها من فلول النظام الساقط، بالإضافة إلى بعض القوى الإسلامية المنافسة للإخوان. وبعد أن انفضّ «سامر الأضداد»، تم استبعاد «الينايرجية» سريعاً، أولاً لأنهم كانوا كالعادة غير منظمين ولا توجد قيادة تجمعهم وتتحدث باسمهم، وثانياً لأن الآخرين نظروا إليهم كأداة لشرعنة ما يحدث وربطه بثورة يناير التى لم تكن تطالب ببديل إخوانى أو حكم دينى ولا غيره! بل كانت تطالب بدولة مدنية. وتلك حقيقة لا مراء فيها.
خرج الينايرجية سريعاً، وأحكمت الأجنحة الفلولية قبضتها على المشهد، واصطفّت وراء الفريق عبدالفتاح السيسى فى البداية، وكان ذلك طبيعياً فى ظل تنمر «الإخوان» للجميع، والعنف الذى كانت تتعامل به فى الشارع. رأت تلك الأجنحة أن «السيسى» هو رجل المرحلة أو بالتعبير «الهيكلى» مرشح الضرورة القوى القادر على مواجهة الإرهاب، لكن أموراً كثيرة بدأت تتغير بعد 26/7/2013 حين نزلت الملايين لتفويض السيسى، فقد أكسبه التفويض قوة وشرعية جعلته يعلو على جميع الشركاء. هنالك تسرب القلق إلى العديد من الأجنحة الفلولية، لكن انعكاسات هذا القلق لم تظهر سريعاً، بل دنت وتجلت مع قرب إجراء الانتخابات الرئاسية التى فاز بها «السيسى»، فى هذا السياق ظهر ذلك التسريب الذى يصف فيه الفريق «شفيق» مشهد انتخابات الرئاسة بـ«الملعوب فيها»، بسبب احتشاد الدولة ومؤسساتها وراء المرشح الأوحد، ومؤكد أن هذا الكلام أغضب «السيسى»، وقد يكون تنبّه فى حينها إلى أن «ناظر مدرسة الفلول» غير راض عما تمخض عنه مشهد 30 يونيو الذى ساهم «شفيق» فى رسمه وتشكيله بمساهمات متنوعة.
عبر «السيسى» محطة الانتخابات وجلس على كرسى الحكم، واستغرق فى محاربة الإخوان، قناعة منه بأنهم الخطر الأبرز والخصم الأكبر الذى ينازعه على السلطة، ويبدو أنه لم يلتفت بما يكفى إلى الخصم الأخطر الذى يعترف له بأنه جازف وواجه فى 3 يوليو 2013، لكنه يرى فى المقابل أنه تحمل الفاتورة كاملة، وأقصد بهؤلاء «فلول مبارك». بدأت الرسائل تتدفق على لسان «السيسى» مؤكدة أنه لا فواتير لديه لأحد، وحتدفعوا حتدفعوا، وبدا شديد التحصن بالقوات المسلحة فى تنفيذ المشروعات التى وعد فيها المصريين بالسمن والعسل. مدرسة الفلول وناظرها لم تقف مكتوفة اليدين، وبادرت إلى «تهنيج» الاقتصاد المصرى برمته ووقف حال المصريين، وما زالت تواصل ذلك رافعة شعار «على المتضرر اللجوء إلى الرئيس». والرئيس من ناحيته أخذ يقدم التنازل تلو الآخر لطغمة المال والسياسة المرتبطة بمدرسة الفلول، فألغى ضريبة الأغنياء، وضريبة البورصة، وتوقف العمل بالحد الأقصى للأجور، وحصل مبارك ورجاله على البراءة تلو الأخرى، وأصبح الكل طلقاء. وأكاد أجزم أن أمر الصراع بين ناظر المدرسة والرئيس لن يكون سهلاً بحال، لكنه يبدو حتمياً.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com