جاءتنى من رجل الأعمال السيد سميح ساويرس هذه الرسالة، فيها ما يشبه الروشتة العملية، فيها تشخيص لوباء الفساد، وفيها تشخيص للعلاج، من رجل يعيش فى قلب السوق، بل فى قلب الاقتصاد المصرى. وإليكم نص الرسالة:
عزيزى الأخ أنور الهوارى..
بما أنك بدأت حملة للتوعية بأهمية النظر إلى الأمام بدلاً من نقد ما فات، فقد رأيتُ أن ألفت نظرك إلى أخطر ما نواجهه فى المرحلة القادمة، وهو المواجهة الحتمية مع مأساة البيروقراطية التى تخنق المواطن العادى قبل المستثمر، والتى تئد إنجازات الدولة قبل أن تصل ثمراتُها إلى المواطن، حتى بات من المستحيل أن نرى أى أمل فى أى تقدم فى حل مشاكلنا.
وأكبرُ دليل على مدى توحش البيروقراطية هو الفارق الشاسع لما يجرى فى أى مشروع تتولاه القوات المسلحة، والتى غالباً ما تأتى بمقاولين أو موردين مدنيين لأداء العمل، ولكن فى حماية الجيش ضد قوات البيروقراطية المُعادية لأى إنجاز، والتى تعطل كل المشروعات التى لا تحظى بحماية الجيش.
وإذا كنا نرغب فى مزيد من التشخيص الدقيق لأسباب توحش هذه البيروقراطية منذ الثورة، فهذا التوحش البيروقراطى هو أهم أسباب التردى الشديد فى نسبة النمو الاقتصادى ومعدلات الاستثمار، وبالتالى ارتفاع البطالة، وانخفاض دخل المواطن الذى لا يتواكب مع الارتفاع فى أسعار السلع والخدمات. والسبب الرئيسى فى توحش البيروقراطية هو: ارتفاع جرعة الدواء المفروض على مصر فى علاج ومكافحة وباء الفساد من قِبَل الأجهزة الرقابية المختلفة- وما أكثرها- هذه الزيادة فى جرعة مكافحة الفساد تنبع من إحساس القيادة السياسية بأن الشعب ثار على النظام الأسبق بسبب الفساد، ومن ثَمَّ فإن رد الفعل فى الوصفة الجديدة هو: المزيد من إجراءات مكافحة الفساد، ونحن بذلك كمن فطن إلى فعالية دواء معين، فمات من الإفراط فى الجرعة، أى مات بتأثر الأعراض الجانبية.
وليكون الكلامُ أوضح: فإننا فرضنا أجواءً من الرعب على جميع موظفى الدولة، من أصغرهم إلى أكبرهم- بمن فيهم رئيس الوزراء- ولدينا نماذج عديدة من حالات صارخة تحول فيها مسؤولون إلى متهمين، ليروا بهدلةً ما بعدها بهدلة، فى الوقت الذى لم يُحاسَب فيه أى موظف سلبى مرتعش على عدم الفعل، على عدم العمل، على عدم القرار، على عدم تحمل المسؤولية، على عدم إنهاء أى مشكلة لأى مواطن أو مستثمر. إن نتيجة عدم محاسبة المرتعشين السلبيين الذين يخافون من القرار- والذين يمتنعون عن تحمل مسؤولية الوظيفة التى يشغلونها والمنصب الذى يتمتعون به والكرسى الذى يجلسون عليه- هى أن اندفع الجميع نحو حالة من السلبية لم نشهدها فى تاريخ مصر الحديث.
ولا يخيل على أحد التمثيليات التى يقوم بها المسؤولون، لإظهار شجاعة مصطنعة فى اتخاذ القرار، وهم- فى الحقيقة- لا يقررون شيئاً.
هذا هو التشخيص، والسؤال: ما الحل؟!
الحل- من وجهة نظرى ومن خبرتى وتجاربى- هو: أن يتم تقسيم العمل داخل الأجهزة الرقابية- بما فيها الرقابة الإدارية- بحيث تتحول إلى جهازين أو مهمتين متوازيتين ومتلازمتين فى وقت واحد:
الأول: يراقب ويضبط الفاسدين من الموظفين البيروقراطيين.
الثانى: يراقب، ويضبط، ويعاقب الموظفين السلبيين الذين لا ينجزون ولا يقررون ولا يحسمون ولا يحلون أى مشكلة لمواطن أو مستثمر.
ما لم تتم إعادة التوازن بين الثواب والعقاب فى منظومة العمل الحكومى، فسيظل الموظف العام بين نوعين: إما فاسدا يتحايل على القانون ليفسد، ثم لا يكشفه أحد، وإما خائفا مرتعشا سلبيا، يقوده الخوف من المساءلة إلى الحرص الشديد والحذر التام الذى يشل به نفسه ويشل به وظيفته ويشل به مؤسسته، ثم يشل به البلد فى نهاية المطاف، وهذا ما ينبغى أن تلتفت إليه الدولة بكل أجهزتها الرقابية].
نقلا عن المصري اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com