لم يمض على وجود الطالب ستيفن جوبز في الجامعة سبعة شهور حتى قرر ترك الدراسة وما فيها. لم يكن لديه ما يفعله سوى التجوال، وبينما يفعل ذلك أثارت فتاة اهتمامه بدراسة علم الخطوط الذي لم يكن أكثر من تمرينات للكتابة تقوم على وصل النقاط ببعضها البعض. فجأة ظهرت الفكرة التي تجعل النقاط تكون حروفا، وكذلك صورا، وأرقاما، وهكذا ولد الكمبيوتر، ومن بعده ولدت شركة آبل، وقبل أن يصل صاحبنا إلى سن الثلاثين كانت قيمته المالية قد تعدت أربعة مليارات دولار. هذه القصة معروفة، ولكن السؤال المتولد عنها هو أن أموراً كثيرة في الحياة يمكن التوصل لها إذا ما تم وصل النقاط ببعضها البعض، التاريخ يمكن معرفته بنقاط مبعثرة من الآثار أو الأحداث التاريخية، وأجهزة المخابرات تتوصل إلى حقائق من معلومات لا يبدو بينها رابط، فإذا ما كان أصبحت المعلومات معروفة، وفى السياسة فإن الغموض يظل سيد الموقف حتى تتبين الدوافع، وتظهر ما كان مختفيا، أو تخفى ما كان ظاهرا.
خذ مثلا الظهور المفاجئ للفريق أحمد شفيق خلال الأسبوع الماضى في حديث تليفزيونى مع الأستاذين خالد أبوبكر وعماد أديب على قناة أوربت، ثم بعد ذلك الظهور في برنامج طويل على قناة العاصمة مع الدكتور عبدالرحيم على. الأسئلة هنا، وهناك لم تختلف كثيرا، وكلها تتحدث عن عودة الفريق، الذي نعلم أنه لن يعود لوجود حظر عليه من السفر. قبل ذلك بفترة ليست بعيدة كتب الزميل سليمان جودة عن «لغز أحمد شفيق»، وبعد الأحاديث التليفزيونية فإنها صارت موضوعات صحفية فصلت في أسرار يوم إعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية في ٢٤ يونيو ٢٠١٢ بين د. مرسى والفريق شفيق. ولكن الأسرار المكشوفة جعلت الموضوع كله أكثر غموضا لأن مجموعها أن الفريق فاز، ومع ذلك فإنه خسر الانتخابات، ورغم معرفته بالفوز عن طريق مصادر «مسؤولة» فإنه تنازل عن الفوز وقبل بالخسارة بسهولة تامة، وبناء على ذلك قام الرئيس أوباما بتهنئته في سابقة لم تحدث من قبل بالنسبة لمرشح خاسر في دولة من دول العالم الثالث. وهكذا فإن النقاط لم تتصل ببعضها بل زاد تبعثرها، لأننا لم نعرف شيئا كثيرا عن حقيقة الدور الأمريكى في المسألة كلها، ولا عرفنا لماذا أصر المشير طنطاوى طوال الوقت على أن الشعب المصرى هو الذي انتخب مرسى، أم أن ذلك كان الحقيقة بعينها؟. وما هي الرسالة التي أرسلها الفريق شفيق عن دوره في ثورة يونيو وانتظاره الدعوة للحضور في ٣ يوليو؟
النقاط تظل معلقة وغير قابلة للربط والاتصال، والتاريخ يظل مستعصياً على الحقيقة، نقطة وحيدة ربما تربط الأمور كلها وهى ما فعله الإخوان منذ ثورة يناير ٢٠١١، فقد أكدوا دائما أنهم هم الذين جعلوا الثورة تقف على أقدامها، وبينما كان «الثوار» منهمكين بمعركتهم مع وزارة الداخلية في شارع محمد محمود كان الإخوان يجتهدون على الفوز بالانتخابات في نقطة أخرى مهمة. وعندما وصلنا إلى الانتخابات الرئاسية بدأ الحديث عن «تزوير الانتخابات»، وفى إصرار عجيب ظل مرسى يرفض الإجابة عن السؤال عما سوف يفعله إذا ما خسر الانتخابات، وكانت إجابته الوحيدة هي أن الخسارة تعنى «التزوير» فقط ولا غير، وهو ما سوف يدخل مصر في حمام دم. هل أعد الإخوان لحمام الدم هذا، وعرف به من عرف في مصر فوجل، وعرف به من عرف في واشنطن فكان ما كان من دور أمريكى ساعة الانتخابات لأن أوباما إما أنه كان مقتنعا بأغلبية الإخوان منذ البداية أو أنه، وهو الأرجح، فوجئ بالنتيجة ولم يكن على استعداد للتعامل معها؟ النقطة يبدو أنها تصل ما لم يوصل لأن الإخوان سعوا، ولايزالون يسعون، لكى تغرق مصر في حمام دم.
التاريخ لم يقف على قدميه بعد حتى لو بدا أن بعضاً من نقاطه تترابط، ولكن للتاريخ أيضا حقائق متحركة بالبشر والجغرافيا، وفى مصر فإن الحاضر غلاب ونقاطه تتحرك نحو المستقبل. وذات يوم قال لى أستاذى الدكتور بطرس بطرس غالى إنك لن تكون قوياً ما لم يكن من حولك أقوياء، وهى حقيقة نتذكرها كل يوم مصرى يشهد بفراغ مدنى حاد يجعل قصة السياسة ناقصة نقاطا كثيرة تربط القصة المصرية وتجعلها مثيرة ومثمرة، والأهم لها مستقبل واعد بقيادة قوية وذات شعبية لا يختلف عليها أحد، ومعها معارضة فعالة، فتوجد الحكمة، ويعتدل الميزان.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com