على مدى أربعين سنة عملتها فى الآثار لم أسمع أن مفتش آثار مصرى سرق قطعة أثرية! صحيح اتهم بعض أصحاب العهد بضياع قطع أثرية من عهدهم؛ لكن كانت معظم هذه الحالات– وهى قليلة- ترجع إلى سوء أعمال التسجيل وأخطاء نقل العهد الأثرية من أثرى لأخر! وكان إتهام الأثرى المصرى بسرقة عهدته أمر جلل يدفع المتهم فى ذمته إلى الانتحار كما حدث مع واحد من أشهر المكتشفين المصريين وهو الراحل زكريا غنيم! ولهذا ساءنى وأحزننى التحقيق الذى نشرته صحيفة كبرى تحت عنوان (حاميها حراميها!) تقصد الأثريين المصريين! وفى ذلك ظلم كبير لمفتشى الآثار وأمناء المتاحف والذين لهم الدور الأول فى الحفاظ على التراث الأثرى المصرى فى ظل ظروف عمل قاسية؛ لا يتحملها بشر؛ ومتطلبات معيشية صعبة.. وهم يقومون بعملهم بحب وتفان لآثار بلدهم. وفى المقابل لا نجد من يدافع عنهم أو يتحدث عن معاناتهم.. والنتيجة أن أصبحوا ليسوا فقط منسيين بل ومتهمين بالسرقة!
ركزت وسائل الإعلام فى الآونة الأخيرة على قصتين: الأولى لا تحدث سوى فى الأفلام الهندية.. وتبدأ بعثور البعثة الأمريكية التى تعمل فى ميت رهينة على تمثال مزدوج جميل يرجع إلى الدولة الوسطى، وبعد ذلك تسافر الأثرية المصرية التى كانت مرافقة للبعثة لإلقاء محاضرة بلندن عن هذا التمثال، وأثناء المحاضرة؛ عرضت صورة للتمثال لتفاجأ بأحد الحاضرين يقول لها إن هذا التمثال يُباع الآن فى بلجيكا، وجاءت الأثرية المصرية إلى مصر لتُبلغ مباحث الآثار والوزارة بهذه المعلومة.. وتوجهت المباحث مع رئيسة البعثة والأثرية المصرية إلى مخازن ميت رهينة، حيث يوجد التمثال وتم فتح المخزن، وبعد ذلك تم فتح الصندوق الذى توجد فيه آثار البعثة ووجدوا داخله تمثالاً مزيفاً صورة طبق الأصل من التمثال الأصلى.. وبعد ذلك بأسبوع واحد عُثر على التمثال ملقى داخل حديقة مخزن ميت رهينة؟!.. والقصة تؤكد أن هناك عصابة لسرقة الآثار تضم هذا الأثرى الذى قبض عليه؛ لكن نهاية القصة الحقيقية والمتورطين بها لا يعرفها غير اللواء أحمد عبدالظاهر، رئيس مباحث الآثار، المشهود له بالكفاءة والإخلاص فى الحفاظ على آثار مصر؛ وأتمنى أن يتم الكشف عن كل أفراد العصابة لنعرف كيف تم تهريب ثم عودة التمثال!
والقصة الثانية وقعت أحداثها بمخازن متحف الحضارة بالفسطاط، حيث تم القبض على اثنين من الأثريين من أصحاب العهد الأثرية وهم يسرقون تمثالاً من الدولة القديمة من عهدتهم الشخصية، وقطع أخرى من الآثار الإسلامية ويضعون مكانها قطعاً مقلدة بدلاً من الأصلية! الموضوع خطير؛ وملابساته متشابهة ومتشابكة ولابد من المصارحة لكشف الحقيقة لكى لا يوصم أكثر من عشرة آلاف أثرى مصرى شريف بأنهم حرامية آثار! لابد من عودة الحقوق المالية والصحية لجميع العاملين بالآثار اليوم وليس الغد؛ والنظر فى حل مشكلات العهد الأثرية بعيداً عن الشك والريبة؛ والعودة إلى برنامج نقل المخازن غير المؤمنة إلى ما تم بناؤه بالفعل من مخازن متحفية مؤمنة.. أحوال الأثريين المصريين تحتاج إلى وقفة جادة بعيداً عن المزايدات والتشفى.
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com