صراخ وعويل، أم تفترش الأرض في انتظار استلام جثمان أحدهم، تبكيه وتصرخ وتنادي عليه، وشاب يقف بجانب الحائط وينادي على شخص باسمه، شخص يعرف أنه قد مات لكنه يأبى الاعتراف، وآخر يضرب الأرض بيديه، ويصرخ بأعلى صوته "يا رب"، مشاهد لأولئك الذين ينتطرون جثامين ذويهم أمام مستشفى إمبابة.
في الطابق الثالث يسير صاحب الجلباب القصير ولا يستطيع أن يحمل نفسه، يستند إلى الحائط ويردد "راحوا خلاص"، يتوجه إلى ربه ويناجيه بعد الحادث الذي راح ضحيته 22 شخصًا بعد اصطدام "صندل" بدون أنوار بلنش النزهة الذي كانوا يركبونه، ليغرق اللنش بكل من فيه.
بذقن لم يخالطها الشيب وملامح اصفر لونها، يتحدث مع تلك التي بجانبه وترتدي "النقاب" راحوا خلاص، وهم يقفون أمام تلك الغرفة الموجودة في الدور الثالث والموجود بها السيدة شيرين محمد صاحبة الـ25 عامًا، والتي رقدت على سرير غرفتها بعد أن حاول معها الدكاترة لفترة كي تستطيع أن تنام، لتنسى أن تسأل على أقاربها الذين كانوا معها في نفس المركب المنكوبة، وكان معها أربعة من أقارب الموجودين لا يعلمون عنهم شيئاً.
تصرخ بملامح يبدو عليها الرعب، وبصوت متهدج لا يخلو من الرهبة "انتوا صحافة"، طب روحوا عند المركب خلوهم ينقذوا "ولاد عمنا الأربعة"، ليؤكد لها أحد الوقوف أن الإنقاذ وصل بالفعل إلى المكان الحادث، فتقول "لا مراحش"، روحوا كلموهم انتوا "خلوهم يطلعوا العيال"، فيعود ويؤكد أنهم وصلوا بالفعل إلى مكان الحادث، ليرد ذو اللحية الكثيفة متتكلميش معاهم "مفيش فايدة" ويعود ليستند على الحائط.
أحمد جمال وإخوته لا أحد يعرف عنهم شيئًا، وكانوا مع شيرين في المركب، وهي مصابة وتقبع في الغرفة التي خلفها، ليتكلم الدكتور: "أرجوكم لا توقظوا المريضة"، تعود السيدة وتتساءل هل تعرفون أين هم، فيقرأ شخص ما أسامي الأشخاص الموجودين في مستشفى إمبابة، وبعد سماعها لأسماء الـ13 شخصًا الموجودين في المستشفى، ولم يكن منهم إلا ثلاثة على قيد الحياة، فتقول لا مش فيهم راحوا فين حد يقولي".
تفترش السيدة الأرض وتضع يدها على خدها ويدير الآخرون وجوههم إلى الحائط، الكل يناجي الله كي لا يكونوا قد ماتوا، فالفجر قد أوشك وهم لا يعلمون عن الأربعة شيئاً، لم يعودوا يرغبون الحديث، هم فقط يريدون من يخبرهم عن أقاربهم.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com