بقلم الباحث / نجاح بولس
نرصد فى هذا المقال ملامح التواجد القبطى فى الحياة المصرية العامة خلال عصر الخديو اسماعيل الذى تولى حكم مصر عام 1863 ، والذى يرى المؤرخون أن عصره له أثره النافع كما له أثره الضار فى تطور الحركة القومية ، فهو يمثل من ناحية عهد تقدم وعمران ، ومن ناحية أخرى عهد القروض المشئومة والأغلاط المتلاحقة التى عصفت بإستقلال البلاد ، ولكن ذلك لا يغفل ما قام به من إنجازات فى أعمال التعمير المختلفة وبعث النهضة العلمية والفكرية بإنشاء المدارس والمعاهد وتأسيس الجمعيات العلمية ، كما أسس نوعاً من الحياة النيابية بإنشائه مجلس شورى النواب عام 1866 والذى يمثل بداية الحياة النيابية فى مصر، فضلاً عن انشاء اول مجلس للنظارة ( مجلس الوزراء ) .
وعمل الخديو اسماعيل على تحقيق المساواة بين المسلمين والأقباط بإعتبارهم شعب واحد ، وتمتع الأقباط فى عهده بمقدار وفير من حقوق المواطنة كما ازدادت مشاركتهم فى الحياة العامة والسياسية عن أى عصر مضى .
فمع نشوء أول مجلس نيابى فى مصر فى عهد اسماعيل عام 1866 شمل قانون انشاء المجلس جميع المصريين بغير تفريق بسبب الدين فى حق الترشيح لعضوية المجلس ، وكان المجلس يتكون من 75 عضواً ينتخبون كل ثلاث سنوات ويتولى انتخابهم عمد البلاد ومشايخها فى الأقاليم والأعيان فى القاهرة والاسكندرية ووجد به فى تشكيل 1866 عضوان من الأقباط ، ومثلهما فى تشكيل 1870 ، فى حين ضم المجلس المشكل عام 1876 على ثلاث أعضاء من الأقباط .
كما التحق الأقباط فى عصر اسماعيل بالعديد من المناصب الهامة بالدولة ، فنجد أسماء شهيرة مثل وهبة بك الجيزاوى ، وتادرس افندى عريان وكان كليهما رئيساً لكتبة وزارة المالية ، ودميان بك جاد الذى كانت له مكانة كبيرة لدى الخديو حتى أن دواوين الحكومة تعطلت يوم وفاته ، وكذلك سعد ميخائيل عبده من كبار موظفى الدولة ، ورزق أغا حاكم الشرقية ، ومكرم أغا حاكم أطفيح ، وميخائيل أغا حاكم الفشن ، وبطرس أغا حاكم برديس .
وكان للبابا كيرلس الرابع فى عهد اسماعيل دور فعال فى الحياة السياسية والعامة فكان له الفضل فى ابرام معاهدة الصلح والصداقة بين مصر واثيوبيا عام 1865 ، وأنشأ العديد من المدارس منها الخاص بالبنين بجوار البطريركية وأخرى للبنات بحارة السقايين وكانت المدارس بالمجان يلتحق بها المسلمون والأقباط .
ويذكر ان الخديو اسماعيل تميز بقدر من التسامح تجاه الأقباط وطلب لأول مرة العمل على وجود إجراءات دقيقة لإعتناق الأقباط للاسلام حيث قرر بضرورة إحضار قسيساً وبعض العمد من الأقباط ويقوم من يريد تغيير ديانته الى الإسلام بالإقرار أمامهم ، كما اهتم اسماعيل بالمدارس القبطية التى بلغت فى عهده اثنتى عشرة مدرسة وأصدر أمراً الى وزارة المالية بتقديم الدعم المالى لها ، كما حرص على وجود الأقباط ضمن تشكيل البعثات العلمية الى اوروبا ، وكانت تربطه علاقة احترام وتقدير مع البابا كيرلس الرابع ويذكر أنه استجاب لرغبة البابا بعدم هدم الكنيسة المرقسية بشارع كلوت بك عندما اقتضى تنظيم شوارع القاهرة أن تهدم الكنيسة ليمر بها الشارع . وكان الأقباط يصرحون بفخر بعد وفاة اسماعيل بأن حالتهم تحت حكمه كانت أحسن مما هى عليه تحت الإحتلال البريطانى .
وفىما يتعلق بمشاركة الاقباط فى الوزارة يذكر انه فى 28/8/1878 اصدر اسماعيل باشا أمره بتشكيل مجلس النظار (مجلس الوزراء ) وتخويله مسئولية الحكم ، وعهد الى نوبار باشا بتأليف أول وزارة فى تاريخ مصر وكان مسيحياً ارمنياً ، وكانت الوزارة الثانية فى 10/3/1879 برئاسة محمد توفيق باشا ، والثالثة برئاسة محمد شريف باشا فى 7/4/1879 ورغم وجود بعض الوزراء الأجانب فى الوزارات الثلاثة المشكلة فى عهد الخديو اسماعيل الا انها خلت جميعها من وجود وزير قبطى مسيحى من اصل مصرى .
كما شهدت هذه الفترة نشاط من الأقباط فى مجال الصحافة فكان ميخائيل عبد السيد أول قبطى يصدر صحيفة بإسم الوطن بمدينة القاهرة والتى ظهر أول اعدادها فى يوم السبت 17 نوفمبر 1877 وهى جريدة اسبوعية مضمونها سياسية أدبية تجارية ويتفق المؤرخين على إعتبارها أول صحيفة قبطية لإهتمامها الواضح بالشأن القبطى .
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com