بقلم: سامح سليمان
إن مجتمعاتنا المُستغلة والمرتعبة والرافضة والمعادية للاستقلالية، لا تهدف إلا لإخصاء الفرد نفسيـًا وفكريـًا، وتدجينه وتضليله وإعطائه نموذجـًا وصورة وردية مثالية وهمية عن الحياة، وقيم سلطوية قبلية طبقية عبودية ساذجة فاسدة ملوثة، وقوانين مزيفةغير منطقية وغير عقلانية لإدارة حياته، وتلقينه كافة المبادئ والأفكار والمعتقدات والرؤى والتصورات الخاطئة عن ذاته وعن الآخر وعن الحياة.
والقيام بتجييشه وقطعنته وإلهائه وتجهيله وقمعه واستلابه وتسفيه أفكاره وآرائه وقضاياه، واختزال أحلامه وطموحاته والمتاجرة بآلامه واحتياجاته وتمنياته، وممارسة كافة أشكال وأنواع وألوان التحطيم النفسي والمعنوي، وقهره وإذلاله واستنفاذه وتشويهه نفسياً وفكرياً؛ لإبقائه في حالة دائمة من الضعف والفقر والمرض والبؤس والشقاء والحرمان والعوز والعجز والانكسار والخضوع والاستكانة.
والاحتياج المستمر للمساعدة والمساندة والإحساس الدائم بعدم الكفاءة والكفاية الذاتية، والشك في النفس والشعور بالدونية وانعدام القيمة، وعدم الوثوق في امكاناته وقدراته؛ ليقتنع ويكتفي بدور المتفرج أو الكومبارس، أو في أفضل الاحتمالات دور السنيد أو صديق البطل، ويترك الساحة خالية لكل طامع في دور البطولة، حتى وإن كان لا يستحقه.
وأن يصل إلى اعتقاد راسخ وعميق بفقدانه للصلاحية والإمكانية والقدرة على الفعل والمواجهة والتغيير لما يلزم ويتحتم تغييره، وأن تزداد بلاهته وسطحيته وبساطته، ويصبح أكثر طاعة وخضوعـًا وخنوعـًا وتنازلاً عن مطالبه وحقوقه، وبذل وعطاء وتسامح مع مَن يؤذيه أو يهينه أو يخطئ في حقه أو يتعالى عليه ولا يقدم له الاحترام اللازم، وتساهل في الحفاظ على كرامته وتخطي الآخرين وتعديهم على حياته الشخصية وخصوصيته، وأكثر إيمانـًا بالقدرية وتقبل سلبي انتظار لما قد يأتي به المجهول، ورقّة في التعامل والطباع.
وأن يتحلى بالتبلد والسلبية والتكاسل والتواكل تحت مسمى "القناعة والقسمة والنصيب والرضى بالمقسوم"، واللين والتساهل والتقبل الدائم لكل ما يقع عليه من تجاهل وظلم وإذلال واستلاب وسلب لحقوقه، وإهدار لكرامته وسحق لإنسانيته، وأن يظل في حالة من التقبل الدائم لتسليم الإرادة والمصير، واستعذاب الممارسة لدور الضحية المرتجية عطفـًا وشفقة ورحمة أسيادها؛ الرحمة التي لم ولن تأتِ إلا لمَن لا يحتاج إليها ولا يستحقها؛ والمنتظرة لما يسقط من موائدهم من فتات وفضلات.
"إن المجتمع في أغلب الأحوال -خاصةً في مجتمعاتنا العربيه القبلية- لا يشكل إلا قوة ضاغطة ومعادية ومستغلة ومستعبدة للفرد".
"عبد الله القصيمي": "إنه ما من زعيم أناني، أو دجال روحاني، إلا وعمله أن يخصي شعبه، إن أعظم اهتمامات الطغاة والمعلمين في كل التاريخ كانت لخصاء البشر، لقد أنفقوا من نضالهم ونضال مجتمعاتهم لخصاء الناس أعظم مما أنفقوا لقهر الطبيعة، إن الخصيان يفقدون حوافز المجد والغضب للكرامة، إنهم يرضون بكل هوانٍ ووضعٍ ذليل، إنهم إذا فقدوا أس شيئ سألوا: وماذا خسرنا؟؟ بل لعل هذا السؤال لا يوجد في حياتهم، إن جميع التعاليم الأخلاقيه، وأنواع التربية النفسية التي وضعها الأقوياء والزعماء الروحيون، أو مارسوها في المجتمعات؛ ليست إلا عملية خصاء جماعية رهيبة، إنه لم يوجد ولا يوجد مجتمع لا تجري عليه عمليات خصاء للروح والعقل." (أيها العقل مَن رآك).
وأن يستمر في التأييد التام والامتثال والرضوخ لكل ما يتم إصداره وفرضه من قوانين ظالمة مجحفة متحيزة لأصحاب السلطة والحظوة والثراء والنفوذ، وتحويله إلى لعبة ومطية وفريسة سهلة الاقتناص، ولقمة سائغة سهلة الابتلاع والهضم لكل مستفيد ومستغل وصاحب سلطة، ومدرك لحقيقة العلاقة النفعية القائمة بين الفرد الواعي المستبد المستغل منزوع الضمير والرحمة والعدل والإنسانية -المدرك لطبيعة المجتمع الذي يعيش فيه، والعارف بالخصائص والقوانين والشروط والمسالك والدروب السرية للعبة النجاح والصعود والترقي وتحقيق الأمنيات- وبين كل جاهل أبله أحمق مثالي سلبي مازوشي ساذج سليم النيه محدود المعرفه والرؤيه والوعي والفهم والإدراك.
"بلزاك": "إن الثروة العاجلة هي المشكلة التي تعرض لخمسين ألف شاب مثلك ممَن يجدون أنفسهم في موقفك الحالي، فكر في المجهود الذي يجب أن تبذله، وفي عنف المعركة التي ستخوضها، لابد أنكم ستأكلون بعضكم بعضًا، وذلك لأنه من المستحيل أن يكون هناك خمسون ألف مركز كبير.
أتدري كيف يشق الناس سبيلهم في هذه الدنيا؟ يشقونه ببريق العبقرية أو المهارة في الخسة، فيجب أن تسقط بين صفوف البشر كقنبلة، وأما الشرف فلا فائده فيه.
إن الناس ينحنون أمام قوة العبقرية وهم يكرهونها، وكذلك الخسة؛ فهي سلاح الضعفاء الذين يملأون الأرض، وإن كنت تريد أن تثري سريعـًا، فمن الواجب أن تملك شيئـًا، أو تتظاهر بأنك تملك شيئـًا، وفي المائة مهنة التي تستطيع أن تزاولها سترى الجمهور يسمى العشرة أشخاص الذين ينجحون بسرعة لصوص.
هذه هي الحياة؛ فهي ليست أجمل من الطبيخ، يجب أن تلوث يديك إذا أردت أن تثري، ولكن يجب أن تعرف كيف تشطفهما بعد ذلك، الإنسان كائن غير كامل ومنافق، وأنا لا أتهم الأغنياء لمصلحة الفقراء، فالإنسان هو هو، في أعلى وفي أسفل وفي الوسط، وإذا كانت لي نصيحا أهديها إليك فهي ألا تثبت عند آرائك أكثر من ثباتك عند أقوالك، وعندما يسألك أحد عن رأي بعه له، والرجل الذي يفتخر بعدم تغيير رأيه، هو أبله يعتقد أنه معصوم من الخطأ، وليست هناك مبادئ وإنما هناك أحداث، وليست هناك قوانين، وإنما هناك ظروف، والرجل الممتاز هو مَن يحتضن الأحداث لكي يسيّرها". (الكوميديا الإنسانية).
"إن المجتمعات الداعية لرفض واحتقار الذاتية -المجتمع هو أي فرد ما عدا الفرد نفسه- لا تفعل ذلك إلا من منطلق ودافع ذاتي أناني، لكي يظل الفرد في حالة دائمة من الرفض والابتعاد عن ذاته، وعدم التلامس أو الإدراك لطبيعته وطبيعة المجتمع والحياة وقوانينها".
"يجب أن نتيقظ وننتبه لنعرف حقيقة أن جميع المؤسسات قد ضحكت علينا، ولقنتنا الأكاذيب، وأطعمتنا الخرافات؛ فنحن جميعـًا ضحايا لعبة وكذبة وخدعة ومؤامرة لا نعرف مَن صاحبها أو مَن أصحابها، ولكن نحن أيضًا جميعنا مجرمون تجاه أنفسنا وأيضًا تجاه الكون".
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com