دخلت السيدة قسم الشرطة في قرية مصرية، كان يبدو عليها الفزع الشديد، صاحت: ما حدش يقرب مني.. فيه قنبلة مربوطة على وسطي..
أزاحت الكنزة التي ترتديها قليلاً فظهر الحزام الناسف الذي ترتديه فابتعد عنها رجال الشرطة في وجل، طلبوا منها أن تثبت في مكانها ولا تتحرك، اتصلوا بأمن المديرية التي أرسلت على الفور أحد المتخصصين في التعامل مع المتفجرات. قبل أن يصل الرجل أجرى معها مأمور القسم حوارًا عن بعد طبعًا ليعرف ما هي حكايتها، وبصوت متهدج تكلمت: زوجي إرهابي وهو الذي وضع هذا الحزام الناسف حول وسطي بمساعدة الشيخ فلان واعظ القرية وطلب مني أن أفجر نفسي في قسم الشرطة هذا وذلك بأن أضغط على هذا الرقم في هذا التليفون الجوال.. ولكني اكتشفت في آخر لحظة أن الحياة حلوة.. حياتي وحياتكم.
وجاء خبير المفرقعات، وبدأ العمل. بدأ يتعامل مع الأسلاك المتشابكة بأناة وصبر، واستطاع بالفعل إبطال مفعول المتفجرات التي فخخ الزوج زوجته بها. طبعًا في هذه الأثناء كانوا قد قبضوا على الزوج الذي أنكر أن له صلة بهذه الحكاية وأوضح أن زوجته على خلاف شديد معه. وأخيرًا بعد أن قامت المعامل بدورها اتضح أنه لم تكن هناك متفجرات في الحزام الناسف حول وسط الزوجة، وأن المادة التي عثر عليها هي مسحوق غسيل. وبتضييق الخناق على الزوجة اعترفت أنها اخترعت هذه الحكاية انتقامًا من زوجها الذي يرفض تطليقها إلا بعد أن تتنازل عن كل مستحقاتها الشرعية، وما هو دور الشيخ فلان الذي اتهمته بمساعدة زوجها في جريمته المزعومة؟ لا شيء.. الرجل بدافع من الرغبة في فعل الخير تدخل لإصلاح الموقف بينهما وفشل في ذلك فقررت الزوجة معاقبته.
وجهت للزوجة تهمة البلاغ الكاذب، وأيضًا حيازة متفجرات في الغالب لأن مسحوق الغسيل الذي استخدمته فيه مواد كيماوية داخلة في صناعة المتفجرات.
هذا مثال واضح للكذب بعيد المدى. وعناصره هنا تتيح لنا دراسة آليات التفكير عند الكذاب. إن نقطة الضعف الواضحة عند الشخص الكذاب هو تصوره أن الآخرين سيصدقونه على الفور، وهو التصور المبني على أن الآخرين يماثلونه غباء. يكفيه أن يخترع لهم عدوًا مشتركًا ليصدقوه على الفور. الشرطة تبحث عن الإرهابيين.. حسنًا خذوا هذا الإرهابي، وهذه هي الأدلة.
عند الكذاب لا توجد حقائق، الحقيقة هي فقط ما يقوله هو. وهذا العالم بأكمله لا تسيّره الحقائق بل الأهواء. هذه الكرة الأرضية تدور ليس بفعل قوانين كونية ثابتة، بل استجابة لرغباتنا الشخصية. ضيق الأفق من أهم صفات الكذاب، ولذلك هو يتصور أن الآخر نسخة مكررة منه. أي إنه ينعم مثله بنفس القدر من الغباء والجهل وانعدام القدرات النقدية.
السيدة بطلة حكايتنا لا تتصور أن العاملين في القسم سيشعرون بالشك في حكايتها. وهذا يكشف عن جانب أصيل في شخصية الكذاب وهو تضخم الذات. هو يشعر أن ذاته هائلة الحجم إلى الدرجة التي تحجب نور التفكير عن عقول من يحكي لهم أكاذيبه.
نقلا عن الشرق الاوسط
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com