فى نهار يوم السادس من أغسطس، وبينما تعلو الأصوات بالهتاف «تحيا مصر» دونما ترتيب أو تنسيق، ينفرط عقد المشاعر فتختلط الأحاسيس بالموسيقى بالمشهد بصفحة الماء بوجوه البشر بعرق الجنود الذين يحرسون الحضور برفرفة أعلام مصر فى كافة الأنحاء. نسينا وقتها المبالغات والنفخ والتطبيل والزمر، فقد انساقت الأفئدة وراء الكلمة «إنها مصر» رغم الاختلاف، رغم الاستقطاب، رغم التصنيف، رغم التسلط، رغم ورغم، إنها لحظة حقيقية تتجاوز الواقع بكل سوءاته، إنه الإنجاز أياً كان الحديث عن النتائج والتبعات وحصاد العمل، فقد أنهينا شيئاً كان برهاناً على أننا نستطيع، لا يهمنى الاستخدام للحظة، فهى خاضعة هنا للكثير من المداخلات والنقد والمراجعة، يهمنى فقط أننى شعرت مثل كثيرين بأن هناك شيئاً ما قد حدث ولم تثنه عقبة أو تمنعه عراقيل، وثمة ملاحظات ينبغى بيانها فى الآتى:
القدرة: أثبتنا أننا نستطيع أن نفعل شيئاً بوضوح الهدف وتحديد طريقة المسير والتخطيط الجاد وترسيم أب للمشروع مع معايير واضحة ورغبة قوية فى تجاوز العقبات وتذليل الصعاب وعدم الارتكان إلى «والله كنا عاوزين بس الظروف»..!
المبالغة: كانت أسوأ ما أحاط بمشروع القناة الجديدة، فقد صنعت عالماً هلامياً ملؤه التناقض، تطلق فيه الأرقام بلا حساب أو تدبر، فأضر بالفكرة الأساسية، ألا وهى إنجاز هدف فى وقت قياسى وفق معادلة جماعية اتفق عليها أغلب المصريين فى واقعة لا تتكرر كثيراً فى التاريخ.
الشباب: من ذهب إلى حفل الافتتاح سينظر بعين الاحترام لما فعله شباب رائع كانت مهمته مساعدة الضيوف منذ تحركهم من القاهرة حتى نهاية يومهم فى الساعات الأولى لليوم التالى، يتقنون أكثر من لغة ويتعاملون مع الجميع بوجوه باسمة مع رباطة جأش وصبر ودماثة لم ندركها كثيراً فى مناسبات عامة.
الارتجال: أرفض الارتجال من قبَل الرئيس السيسى لأنه لم يكن موفقاً فى كثير من الأحيان طوال العام الأول من حكمه، أما هذه المرة، خلال حفل الافتتاح، فقد كان جيداً، أضاف للكلمة المكتوبة التى التزمت الإنشاء دون أى تفاصيل مثلما فعل مذيعو التليفزيون المصرى الذين ذكّرونا باستهلالات الاحتفالات أيام مبارك.
الحرص: يبدو أن أحد المستشارين لمؤسسة الحكم نصح بأنه «يكفينا ذلك»، أى يكفينا ما فعلناه، فعلينا أن نكون بعدها واقعيين، فقد أوقفت خلال الحفل ماكينة رفع سقف التطلعات ولم تنجرّ المؤسسة إلى هذا الفخ بإطلاق وعود هائلة، وهو ما يُحسب لها، فالتعامل مع الواقع أفضل من نفخ بلالين ودباديب الآمال والطموحات للشعب مثلما فعل المحتفلون «الأوفر» على طول طريق القاهرة الإسماعيلية الصحراوى بدباديبهم وبلالينهم.
الغائب: فات السيسى أن يسجل هدفاً آخر خلال الحفل بإشارة واضحة وصريحة عن رغبته فى إرساء معادلة جديدة للحكم تلتزم بالحفاظ على الدولة المصرية مع احترام حقوق الإنسان، فالسادس من أغسطس كان ينبغى أن يكون يوماً جديداً على كافة الأصعدة.
التقدير: رسالة حب وتقدير لكل مصرى شارك فى إنجاز هذا المشروع وأسهم فيه بجهد أو مال أو رأى أو فكرة أو دعم أو مساندة، فشكراً للجميع على ما فعلوه من أجل بلدهم.
كتبنا بداية ولم نكتب نهاية على الضفة الشرقية من القناة على أرض سيناء الطاهرة، وعليه فإننا نؤكد مرة أخرى «البشر قبل الحجر» و«الكرامة قبل الخرسانة»..!
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com