عادل إمام محمد، ابن قرية شها «المنصورة دقهلية»، هو «أغلى» نجم فى مصر على قلوب المصريين فهو يزيح الأسى عن قلوبهم وهو أيضاً أغلى وأعلى نجوم مصر أجراً «ويسدد ضرائبه بانتظام»، وليس بمستغرب أن يحصل على لقب «الزعيم» بعد أن حفر فى وجدان المصريين أكثر من مائة فيلم و١٥ مسرحية وأكثر من ١٢ مسلسلاً تليفزيونياً ومسلسل إذاعى واحد مع عبدالحليم حافظ «أرجوك لا تفهمنى بسرعة». عادل إمام هو «عندليب» المسرح والسينما الذى يردد الشارع «إفيهاته» الشهيرة بل ربما يحفظ الشباب النصوص الكاملة لبعض مسرحياته وهو ما لم يحدث لأى نجم آخر، ودلالة ذلك أن مسام المصريين مفتوحة لفنان أحبوه بصدق وأهم من ذلك أنهم يصدقونه وهى أعلى رتبة تمنحها الجماهير لفنان.
■ لعلى كنت أول محاور مصرى يظهر معى عادل إمام فى فجر مشواره الفنى فى برنامج اخترت له اسم «أغلى نجم فى مصر»، ومن باب الأمانة فإن من أطلق هذه الصفة على عادل إمام هو الناقد الكبير رفيق الرحلة: رؤوف توفيق، وقد راق لى أن يكون التحقيق التليفزيونى بنفس الصفة، لكن ما كان يهمنى هو إحساس المصريين المفاجئ بعادل إمام، ذلك الفتى النحيل الذى كان يظهر فى أدوار صغيرة لكنه لفت النظر، وعبارة لفت النظر لها مدلول علمى أشار إليه د. لويس عوض حين يقول: «إنه الفنان المختلف أداء ولديه خاصية تخطف الأبصار»، ويعبر د. على الراعى، عمدة النقاد، أن فى «أى فنان خصائص ليست مرئية يشعر بها المتفرج تداعب حواسه خصوصاً إذا ارتجل، والثابت أن الارتجال فن يخرج من رحم النص ويوافق فى أغلب الأحيان هوى الجمهور».
إن عادل قد يلقى بـ«إفيه» فى الصالة وكأنه ألقى بقنبلة شديدة الاشتعال بالضحك، والمذهل أنه لا يضحك أو يبتسم وقد فشل معظم من شاركوه المسرحيات فى ضبط أعصابهم فضحكوا «غصباً عنهم»> فيما عدا سهير البابلى «ابنة المسرح القومى»، التى لم تضحك وبادلته جدية بجدية!
من المهم الإشارة إلى أول ظهور تليفزيونى فى حياة عادل إمام كان أيامها زوجاً ومازال للفاضلة هالة الشلقانى الصبورة المثابرة الحنونة المهذبة البعيدة عن الأضواء الناكرة لذاتها، أيامها كان رامى وسارة أطفالاً ثم كبرا وصارت «هالة» ترعى ثلاثة مجانين تحت سقف بيت واحد إن صح أن «الفنون جنون»، وهم عادل إمام «الممثل» ورامى إمام «المخرج» ومحمد إمام «الممثل»، أما الجميلة سارة فقد آثرت الدراسة والتفوق العلمى والزواج والاستقرار العائلى، وللعلم فإن عادل إمام شخصية مصرية وسطية كأى بيت فى عابدين أو الجمالية لا يسمح بزواج أحد من أولاده ممثلة، ليس رفضاً للمهنة إنما محافظة على هناء واستقرار أسرة تحمى نفسها من التصدع.
■ هو «نبتة» خضراء فى أرض خصبة فكبرت وطرحت ثماراً بطعم الشهد، هو «شتلة» من المواهب احتضنتها أرض معطاءة وكانت «الغلة» فى المحصول وفيرة، هو «عادل إمام» خريج كلية الزراعة الذى زرع البهجة فى أرض مصر ووهب الغلابة الشقيانين الضحك والفرح، هو أحلى «زهرة» جادت بها بساتين الفن على مر المواسم «مواسم الحصاد»، وفى كلية الزراعة بزغ اسمه على استحياء مثلما بزغ اسم عبدالحليم حافظ فى معهد الموسيقى، فى كلية الزراعة كان يقال عن عادل إمام «يفطسك م الضحك بكل جدية» وفى معهد الموسيقى كان يقال عن عبدالحليم حافظ عازف الأبوا «عنده صوت يخطفك فتسلمه ودانك» فى كلية الزراعة، كان يقال عن عادل إمام «مايمرش عليك بسهولة» وكان يقال عن عبدالحليم شبانة - قبل الشهرة - «فيه حاجة غامضة» قد لمع - مع الأيام - عادل إمام حتى صار «الألفة» فى فصل الفن، وقد لمع - مع السنين - عبدالحليم حافظ حتى صار «الألفة» بين أصوات المغنين، جاء عادل إمام بأسلوب جديد فى التمثيل يعتمد على ملامح الوجه ببراعة وبجدية تثير عاصفة الضحك فى الصالات، وجاء عبدالحليم حافظ بنبرة جديدة فى الغناء يغنى بيسر ويغمض عينيه ويغوص فى معانى الكلمات ويثقب صوته المسام قبل الأذن، ومن المؤكد أن هناك علاقة «توأمة» بين عادل وحليم، كلاهما نشأ فى دلتا مصر، عادل فى شها وحليم فى الحلوات - وكلاهما نزح إلى مصر وفى مصر ترعرعت العيدان الخضراء، هل تصدقون أن عبدالحليم حافظ فى عز شهرته كان يصحبنى إلى مسرح عادل إمام ليرى «مشهد المحكمة» فقط، يضحك من قلبه كل ليلة، وكان عادل إمام يلمحه بين الكواليس ما جعل «الزعيم» يقدم تنويعات مختلفة من المشاهد فى المحكمة أضحكت القاضى «نظيم شعراوى» رغم أنفه!
■ عادل إمام، جاء بعد كشكش بيه وشرفنطح والريحانى وفؤاد المهندس ومدبولى وأمين الهنيدى وإسماعيل يسن وعادل خيرى وأبوبكر عزت، جاء بطعم جديد ليس فيه شقلباظات ولا ضرب على القفا، إنما استخدم صوته الخفيض الهامس وكلمات مشتقة من الحياة اليومية «المرجعية أيام الصياعة» هو القادم من طبقة متوسطة صعدت السلم بصبر حتى حقق ثراءً لم يبعده عن قيم الطبقة الوسطى وتقاليدها المهم أنه لم يخلع نفسه من طبقته وينتسب للأكابر، لا أكابر القوم ولا أكابر السلطة، هو المعنى بمعاناة الناس، فقد انطبع فى وجدان عادل إمام الذهنى صور الشقاء الإنسانى وانفعل مع أنماط المعذبين وبحث عن نوعيات الألم وجسدها فناً، وأستطيع أن أقول إن تاريخ السينما المصرية من الواجب علينا ونجمنا على قيد الحياة «متعه الله بالصحة» أن نفرد له فصلاً فى كتاب السينما المصرية والمسرح المصرى.
■ عادل إمام فنان برؤية ورأى، صحيح لا يفصح عن ذلك فى حوارات صحفية أو تليفزيونية، ولكن لديه «مساحة» ليفكر فيما يقدمه للناس، قاوم الإرهاب فى أول سطوته بـ«الإرهاب والكباب» وقاوم الضعف الجنسى بجرأة فى «النوم فى العسل» وكشف كواليس «اللعب مع الكبار» وناقش فلسفة التطبيع فى «السفارة فى العمارة» وطرح فكراً تربوياً مختلفاً فى «التجربة الدنماركية» وعرض بشجاعة مريض «ألزهايمر» وقال رأيه المكتوم بين ضلوعه فى «يعقوبيان» وتوقف عند بشر مهمش فى «المنسى» ورفع من قيمة البصيرة لا البصر فى «أمير الظلام» وفتش فى كواليس السلطة فى مسرحية «الزعيم»، وأثار ضجة تربوية بـ«المشاغبين» وأشاد بالإخلاص كقيمة بين الأصدقاء فى «سلام يا صاحبى» وشغلته قضية الإسكان فى «كراكون فى الشارع» وتعرض لحمى المنافسة فى الإعلان لمنتج «واحدة بواحدة»، ودخل عالم الكرة وما يكتنفه من أسرار فى «الحريف»، ولم ينس قضايا الشباب فقدم نمطاً فى «شباب يرقص فوق النار» وقدم صورة لقبضة يد السلطة فى «إحنا بتوع الأتوبيس»، ودخل بنا عالم السجينات ومشاعر الحب المسجونة فى «حب فى الزنزانة» وترصد كواليس أساتذة الجامعة وتطلعاتهم بوجوه عدة بغض النظر عن «الأيديولوجيات» فى «أستاذ ورئيس قسم» وغاص فى ليل القاهرة ومعالمه فى «خمسة باب» ورسم بورتريها شديد الواقعية من خلال متابعة كبار القوم فى «الواد سيد الشغال» وأبرز قيمة المال حين يغير النفوس فى «بخيت وعديلة» وكشف عن عالم الجامعات الخاصة وتزييف الحقائق فى «مرجان أحمد مرجان» وقدم نمط الريفى الذى يقع فريسة لمحتالى العاصمة فى «رجب فوق صفيح ساخن».
■ من المهم فى تقييم حالة عادل إمام أن نتوقف عند عنصرين لهما أهمية: ١- عنصر الزمن. ٢- عنصر البطل الأوحد، أما الزمن فلا يلتفت إليه لأن هناك نجوماً أكبر من عادل إمام ولايزال العطاء حاضراً، إذ لا علاقة بين العمر والإبداع، وفى مصر، هيكل وبطرس غالى، عبرا عمر التسعين ومازالا «حاضرين» فى المجتمع، نتفق أو نختلف، لكنهما أصحاب حضور منحهما الله الصحة، ولو كان عادل إمام فى بلد آخر لاحتفوا به أكثر ومنحوه حباً أكثر، لكن فى مصر شاع مرض اسمه «النفسنة» هو «البغض للبغض ذاته»، فى لبنان أى ممثل درجة عشرة يرفعونه على الأعناق، وعندنا عادل إمام الذى تعدت شهرته مصر وصار رمزاً عربياً وليس مصرياً فقط ويروق للبعض التلاسن عليه والمطالبة باعتزاله!! هل يملك فنان أن يستقيل من الفن إلا إذا خذله جسده وخانته ذاكرته؟ هل يملك فنان محبوب معشوق أن ينسحب من الميدان؟ هل غضب بعض أساتذة الجامعة أو غضب حفنة من اليساريين بقلب المائدة على «أغلى نجم فى مصر»؟ هل يضايق البعض أنه مازال يتربع على عرش البطولة المطلقة؟ إن زمن البطل الواحد لايزال يعشش فى أذهاننا.
■ دخل عادل إمام معارك عديدة، مرة يهاجمونه فى زواج ابنته سارة قرة عينه التى فضلت الحياة بعيداً عن الفن، وآثرت الزواج من رجل فاضل لا صلة له بالفن، وبالمناسبة، فرغم أن فى بيت الزعيم ثلاثة ينتمون للفن هم عادل إمام ورامى إمام ومحمد إمام، فلا سهرات فنية «على البحرى»، كما يقول الحس الشعبى، بل إنه بيت وسطى محافظ تمثل «هالة الشلقانى» زوجة أغلى نجم فى مصر، «ضابط الإيقاع»، ومرة أخرى يهاجمون عادل إمام الذى لا يمنح فرصاً للشباب مع أن عادل إمام من أكثر نجوم مصر حماساً لشباب الفن الموهوب، وعقدوا مقارنات هزيلة بينه وبين فنان شاب على أنها «منافسة»!! ولكمات أخرى بسبب أفلامه التى لم تكن على هوى المحافظين جداً ومغلقى العقول، وتعرض عادل إمام فى بداية الثورة الينايرية «المشكوك فى عذريتها» لهجوم أرض أرض، حيث كان البعض فى غيبوبة الزعامة وحين أفاقوا، اكتشفوا أن عادل إمام واحد من الذين «حرثوا» أرض مصر بالفن وملأ الوجدان المصرى بالتمرد والاحتجاج الصامت، ولما أراد الزعيم إراحة الناس قليلاً من السياسة بمسلسل «صاحب السعادة» هاجموه لأنه ابتعد عن «أعماله العظيمة وذكروه بأحلام الفتى الطائر» ولما عاد للسياسة واليسار المصرى وكواليس الوزارة فى قالب كوميدى عبر حدوتة إنسانية، هاجموه لأنه يشوه صورة أستاذ الجامعة ويسخر من اليسار المصرى! ولما لم يجدوا شيئا يهز الجبل أشاعوا على مواقع «التباعد» الاجتماعى لا قدر الله وفاته بكل صفاقة، ولما اكتشفوا أن الله عز جلاله يدخره ليمسح هموم المصريين وهى كثيرة، طالبوه بالاعتزال وأذهلنى اتصال البعض بى ينفون عن أنفسهم هذا الاتهام الطائش (!) ويتمنون له حياة مديدة يسعد فيها المصرى الذى ينتظره على الشاشات ويستمتع مثلى بأفلامه التى تتبختر بها القنوات!
■ ويا ضحكة مصر الرنانة، واصل دورك كفنان تؤمن بأن الفن «إعادة صياغة للحياة» وإضاءة عتمة العشوائيات ببصيص أمل، يا صاحب الوجه الفريد «الأوركسترا الكامل» الذى إذا عزف بتقاطيعه ضحكنا ونطهر صدورنا من الكآبة التى يزرعها الواقع المر، يا عصراً من الحزن والشجن، كما أسعدتنا ونحن نرى أنفسنا فى مرايا فنك الاحترافى بطعم الهواية.
يا عادل إمام - يا أغلى النجوم - يا ابن بطن مصر، كنت على موعد مع المصريين فى زمان شح فيه الضحك فلا تكف عن أداء رسالتك، وهل كفت جارة القمر «فيروز» عن الشدو؟
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com