فى أواخر الثلاثينات من القرن الماضى.. وبعد الحريق الهائل الذى أصاب بستان جوز الهند فى بوسطن فى الولايات المتحدة الأمريكية.. اتجهت أنظار العالم إلى أهمية أن تتم دراسة ما يحدث عند حدوث كارثة ما.. والتدابير التى ينبغى اتخاذها للحد من الأضرار بل والحصول على أفضل مكاسب ممكنة.. فظهر فى الأفق ذلك الشاب الذى ينتمى لهؤلاء الذين تصبح الحياة بعدهم مختلفة عما كانت عليه!! إنه توماس ليندمان.. مؤسس علم إدارة الأزمات الحديث!
إنه ذلك العلم الذى احتل موقعه بين علوم الإدارة.. وأصبح الإلمام به أساسياً إذا ما كنت ستتقدم الصفوف وتقود المشهد فى كل المجالات..!
إلى هنا والأمر جيد.. فالعالم كله يتعلم من أخطائه.. واتخاذ التدابير اللازمة فى التعامل مع الأزمات أصبح جزءاً أساسياً فى الخطط الاستراتيجية للدول.. إذا ما كانت تبحث عن مستقبل أفضل.. ولكن يبدو أن العالم الشاب قد أغضب البعض هنا فى بلادنا.. فقرروا محو كل ما فعله.. والتعامل مع أزماتنا بطريقتهم الخاصة!!
لقد واجهت وزارة الصحة فى الأسابيع القليلة الماضية أزمتين مفاجئتين.. ولكنها للأسف فشلت فى كليهما.. بل وأفقدت الثقة -المفقودة أصلاً- بينها وبين المواطنين.. ولم تزل تفعل..!
فمنذ أسابيع قليلة.. ظهرت أزمة وفاة الأطفال ببنى سويف.. واتهام محلول معالجة الجفاف الخاص بشركة معينة بأنه السبب الرئيسى لهذه الحالات.. فماذا فعلت وزارة الصحة؟!
فى ظروف أكثر جاهزية، كان من المفترض أن تتم دراسة سبب الوفاة سريعاً.. بل وقد يستدعى الأمر أن تتم مصادرة التشغيلة الخاصة بهذا المحلول، مع تفتيش سريع للمصنع ومتابعة خطوات الإنتاج، لن أتحدث عن محاسبة قطاع المراقبة الصيدلية.. فهو أمر بديهى.. ولكن السيد وزير الصحة قد قرر أمراً أكثر راحة له بكثير..!
لقد قرر إغلاق المصنع بالكامل.. ومصادرة كل إنتاجه فى كل المستشفيات، ومن كل أنواع المحاليل وليس المحلول المتهم فقط!!.. مع علمه التام بأن منتجات المصنع يتم استخدامها منذ سنوات دون مشاكل، ومع علمه التام أيضاً بأن المخزون المتبقى فى المستشفيات من إنتاج باقى المصانع لن يكفى المرضى مطلقاً..!
الأمر يوحى بشعور المسئولين فى الوزارة بالرعب الشديد.. كما يؤكد جهلهم التام بكيفية إدارة الأزمات أو بأى شىء قد كتبه ليندمان.. أو ربما بليندمان نفسه!!
لن أتحدث عن الخسارة الاقتصادية التى تسبب فيها هذا القرار العجيب، ولن أشرح لك فرصة أن يقتنع أهل مصاب ما فى حالة حرجة أن يشتروا لمريضهم «محاليل وريدية» من خارج المستشفى لأن السيد وزير الصحة قد «توجس خيفة» من شركة ما!!.. فقط سأترك لخيالك العنان لتعرف كيف سيتصرفون مع الأطباء!!.. بل ومع المستشفى بالكامل!!
لم يتوقف الأمر عند هذه الأزمة.. فقد تمكن مسئولو الوزارة من تأكيد عجزهم عن إدارة الأزمات بعد موجة الحر الأخيرة، فقد ظهرت بياناتها مشوشة ومرتجفة.. من أعداد غير دقيقة للوفيات، ونفى سريع ومقتضب لوجود وباء ما متهم بخلاف «الإجهاد الحرارى».. على الرغم من عجز أفضل أطباء العالم عن الجزم بعدم وجود شىء ما بهذه السرعة وبدون تحاليل أو أشعات متعددة.. وربما بعض الوقت أيضاً للبحث عن أعراض أخرى.. ولكن الوزارة قد قررت أن تنفى.. فنفت!!..
لا أنكر أنها قد تكون محقة هذه المرة.. ولكن الشك يبدأ حين تنفى باقتضاب دون أن تشرح للناس كيف تأكدت من موقفك.. وارتباك المسئولين بالوزارة يؤكد أن البيانات قد صدرت دون بحث دقيق.. أو دون بحث من الأساس!!
حين يتعلق الأمر بحياة المواطنين، ينبغى أن يكون التعامل بصورة أكثر حكمة، والوزارة المسئولة عن الصحة ينبغى أن تتعامل بصورة أكثر وعياً عما تفعله الآن.. فالرعب فى التعامل مع الأزمات يخلق ردود فعل غير مقبولة.. ويؤدى إلى المزيد من فقدان الثقة بينها وبين المواطن.. وإدارة الأزمات فن ينبغى أن يجيده الجميع.. وخاصة فى وزارة الصحة.. فهل يدرك أحد فيها هذا؟!!
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com