رابعة العدوية هى أم الخير بنت إسماعيل العدوى، وسُميت رابعة لأنها البنت الرابعة لرجل فقير لم يترك لبناته سوى قارب صغير ينقل العابرين بدراهم معدودة بين شاطئى فرع صغير من نهر دجلة بالبصرة التى وُلدت رابعة وماتت فيها. يُحكى أن إبراهيم بن أدهم، أحد مريدى رابعة، وسليل النبلاء والأشراف، ارتدى خرقة الزاهدين، وخلع عن جسده لباس النعيم، وهام فى الطرقات باحثاً عن قرب السالكين. فى شطحاته ذهب إلى الحج ماشياً على قدميه، وكان يتوقف كل عدة خطوات ليصلى ركعتين، فبلغ الكعبة بعد أربعين عاماً!! وحال لسانه يقول: «غيرى يسلك هذا الطريق على قدميه وأنا أسلكه على رأسى». لم يجد إبراهيم الكعبة فى مكانها فنادى عليها فلم تسمع!! فسمع صوتاً يقول: الكعبة ذهبت للقاء رابعة!! هذا الشطط قريب مما قاله الإخوان فى زيارة سيدنا جبريل لمسجد رابعة العدوية.
لا فرق بين رحلة الكعبة من مكة لزيارة رابعة فى البصرة لتحج بها. أو رحلة جبريل من عليائه للقاء المعتصمين فى ميدان رابعة ليحجوا إليه. محظوظة رابعة الزاهدة العابدة فى تاريخها القديم حين أتتها الكعبة لديارها، وفى تاريخها الحديث حين أتاها جبريل لمسجدها حامياً ومدافعاً عن الإخوان. فلا كانت مسئولة عن شطط إبراهيم بن أدهم قديماً حين تاهت عيناه عن الكعبة، ولا عن هوس الإخوان حديثاً حين عميت عيونهم عن جبريل. الخبل والهوس والتخريف فى تاريخنا تمشى جنباً إلى جنب بجوار الحقيقة، كرامات الأنبياء والأولياء وهوس وشطط الأدعياء يرتديان نفس الثوب، ويتكلمان نفس اللغة، ويتسامران فى مودة دون خلاف.
خيط رفيع بين الكرامات التى جاءتنا بها الأديان وقبلها من قبلها، وبين أساطير وخرافات التراث، وقبلتها العامة ورفضتها الخاصة. وفى هذا يقول ابن رشد: «الله لا يمكن أن يعطينا عقولاً ويعطينا شرائع مخالفة لها». تراثنا بناه الرواة من حكاوى المصاطب، وخرافات المجاذيب والدراويش، فهذا طار إلى السماء، وذاك سار على الماء، ومنهم من شفى المريض بلا دواء، ومن جاب الأسرى من بلاد الأعداء.. هذه خرافات المنشدين، وأساطير المخرفين، وفتنة الدجالين فى أحجبة المشعوذين. أين الملائكة المسومة التى أحاطت برابعة تحرس المعتصمين؟ أين بركة سيدنا الخليفة مرسى حين صلى بسيدنا النبى محمد؟ أين اختفى الرواة والسادة أصحاب الرؤى والمنامات؟ أين من ضلل المعتصمين وتركهم فى ساحة الوغى وهرب إلى بلاد الخير والنعيم وترك رفاق الدرب بلا سند أو معين؟ ليس بغريب أنهم صدّقوا هبل مشايخهم، لكن الأغرب أن أحداً منهم لم يتساءل: لماذا خابت هذه المعجزات؟ ولماذا تركتهم الملائكة؟ ولماذا عاد جبريل من حيث أتى؟ لقد كانت قصة سيدنا الخضر وصحبته لسيدنا موسى وما حدث فيها من كرامات، حين كسر ببصيرته حجب المستقبل، ورأى من آيات ربه باطنها كما جاء بالقرآن، كانت معيناً خصباً لكل الدجالين، صدّقوا أن كل من سار فى طريق الإيمان والتقوى اخترق سحب الحقيقة، ورأى نوراً لا نراه، وسمع حواراً غير ما نسمع، وكشف من الحقائق ما يتخطى الزمن، فيرى البداية مع النهاية، والخير مع الشر، والأول مع الآخر، حتى يرى نفسه كالعبد الصالح صاحب كرامات الأولياء، ومعجزات الأنبياء، فيرى الولاية والنبوة فى يديه. كل من سلك طريقاً زاده ورعاً، وصعد درجة أعلى، يرى الوهم حقيقة، وإذا صفا قلبه قليلاً شعر بأنه فى الصف الأول، وقد يصلى بالأنبياء كما صلى مرسى فى خرافة القرب.. الأديان لا تخلو من خرافات الوضاعين والمشعوذين، يزرعون بها الخوف فى قلوب المقبلين، عذاب القبر خرافة المخوفين، والثعبان الأقرع هوس الخائفين، حتى أبوهريرة إمام الواصلين يربط إبليس فى عمود المسجد حين رآه يسرق قمح الجائعين!! شيطاننا يسرق قمح المساكين، ويسبى النساء، ويبيع الغلمان، ويقف أمام الخمارات يدعونا للسكر مع السكارى الفاسدين، ويتربص بنا أمام المساجد يبعدنا عن صلاتنا، وإذا دخلنا اصطف معنا وباعد بيننا، شيطاننا يشاركنا مضاجعة النساء إذا كن عاريات، ويأكل معنا إذا نسينا أن نسمى، شيطاننا يقف على أكتافنا يكتب عن الملائكة سيئاتنا. آه من تاريخ يكتبه المدلسون والمزيفون.
ما زال الإخوان يشطحون، ويقتلون، ويقسمون إن الحكم مقبل، وإن ميزان العدل بهم يستقيم، وإنهم وليس غيرهم أصحاب النعيم، وإن سيدهم مرسى مقبل إلينا من خلف الحجب، فإذا أقام الظلم محل العدل فاعلم أن سيدنا الخضر قتل الغلام، وإذا أغلقوا الأبواب فاعلم أن سيدنا الخضر خرقها، وإذا أغلقوا باب النعمة فاعلموا أن فى الآخرة باباً مفتوحاً لمن حُرم نعيم الدنيا وراحتها. وعليكم أيها المساكين إضاعة الدنيا فى سبيل الآخرة، واربطوا على البطون لتشبعوا فى الجنة، وامرضوا فى الدنيا وشفاؤكم فى الآخرة، وابكوا كثيراً فى الدنيا فغداً تضحكنا الملائكة. اللهم لا تحرمنا متعة الدنيا ونعيم الآخرة وأبعد عنا من يحرمنا نعيم الدنيا.. آمين.
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com