ضياء رشوان
منذ نحو أربعة عقود والمنطقة العربية والعالم الإسلامى، ثم دول كثيرة خارجهما، تشهد ظاهرة الإسلام السياسى التى عرفت منذ ظهورها فى العقد الثالث من القرن العشرين وحتى الفترة الحالية تطورات كبيرة ونوعية. وقد عرفت هذه الظاهرة تطورات وتحولات كثيرة خلال الأعوام الأربعين الأولى من تاريخها، ثم تطورات وتحولات أبرز وأهم خلال الأربعين عاماً التالية، إلى أن أتت الثورات العربية التى بدأت بتونس ثم مصر وبعدها دول عربية أخرى، لكى تفتح الباب أمام حدوث تطورات وتغيرات جديدة تماماً على مشهد الإسلام السياسى وملامح وتكوين جماعاته وتنظيماته، سواء بظهور الجديد منها أو بحدوث تحولات جذرية فى كبرى الجماعات القديمة والتاريخية.
فخلال الأعوام الخمسة الماضية التى تلت اندلاع أولى الثورات العربية فى تونس، بدا واضحاً أن حجم ومساحة التفاعلات فى مختلف الدول العربية- وبدرجات مختلفة- التى ترتبط بجماعات الإسلام السياسى، قد أضحت هى الأكبر والأكثر أهمية فى صياغة حاضر هذه الدول ومستقبلها القريب والمتوسط. فسواء فى تونس أو مصر أو ليبيا أو سوريا أو اليمن، فقد ارتبطت الأوضاع العامة بها جميعاً خلال الأعوام الخمسة التى مضت بتفاعلات عنيفة أو خشنة مع الحركات والجماعات الإسلامية التى توجد بها، وانتهت إلى ما هى عليه الآن كحصيلة لهذه التفاعلات التى لم تنته بعد، الأمر الذى يجعل أوضاع المستقبل القريب والمتوسط أيضاً مرتبطة بشدة بتطور هذه التفاعلات ومدى مراوحتها بين العنف والخشونة واللين.
وكان الأخطر والأكثر أهمية خلال السنوات الخمس التى مضت هو أن خريطة الحركات والجماعات الإسلامية فى الدول العربية قد عرفت تغيرات وتطورات جذرية، سواء فى تكوين وطبيعة الجماعات التى ظلت قائمة ومستمرة، أو فى ظهور جماعات وحركات جديدة لم تكن قائمة من قبل، أو فى علاقات كل هذه الجماعات ببعضها البعض. فما تعود عليه العالم العربى خلال العقود الأربعة السابقة على الثورات العربية من جماعات وحركات إسلامية بخصائص وأفكار وسلوكيات حركية، لم يعد قائماً بعد هذه الثورات، حيث بدا معظمها بما فيه الأقدم والأكبر منها وكأنها جماعات جديدة لم توجد من قبل من فرط التغيرات الرئيسية والجذرية التى ألمت بها. وكانت الظاهرتان الأبرز فى هذا المجال هما: أولاً، جماعة الإخوان المسلمين وبخاصة فى مصر التى اكتسبت ملامح فكرية وحركية وتنظيمية جديدة للغاية لم تكن موجودة بها قط من قبل، لتبدو أقرب للجماعات السلفية الجهادية السرية التى تجنح لاستخدام العنف كوسيلة رئيسية لتحقيق أهدافها. وثانياً، تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) الذى برز من العدم ليضحى الأكبر والأخطر بين الجماعات الإرهابية القائمة اليوم فى المنطقة، وليكون المثال الأبرز للجماعات التكفيرية الجهادية التى لم تكن موجودة تقريباً خلال الأعوام الثمانين الماضية.
من هنا تظهر أهمية البدء فى دراسة علمية منظمة ومنهجية لاستشراف حاضر ومستقبل جماعات الاسلام السياسى فى المنطقة العربية بصورة إجمالية أولاً، ثم بصور تفصيلية تنصرف إلى كل نوعية رئيسية من هذه الجماعات. ولا شك أن محاولة قراءة واقع ومستقبل هذه الجماعات سوف تتقاطع أيضاً، غير نوعيتها، مع المناطق الجغرافية والدول التى توجد وتنشط بها، حيث يتداخل الأمران بصورة عميقة فى تشكيل ملامح هذا الحاضر وذلك المستقبل. إن التعرف الدقيق على ملامح وخصائص مشهد الحركات والجماعات الإسلامية بصورة دقيقة وعلمية سيكون مدخلاً ضرورياً لأى تصورات عملية يمكن تقديمها للتعامل معها من قبل المجتمعات والدول الوطنية التى توجد بها، بحيث لا يتحول الأمر إلى تعامل عشوائى يفضى إلى مزيد من العنف والفوضى وعدم الاستقرار.
diaarashwan@gmail.com
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com