بقلم : يوسف سيدهم
الدعوة لتجديد الخطاب الديني الإسلامي بدأت تتبلور بشكل جاد منذ أطلقها الرئيس السيسي قبل ثلاثة أشهر-وبعد أن مرت بفترة مماطلة وعناد من جانب
القيادات الدينية-فبدلا من محاولات الالتفات حول التجديد بادعاء الدفاع عن الثوابت,الآن نقرأ عنتجديد الخطاب لاتبديده وعنتنقية التراث وليس تجريحه وعن الحاجة إلي خطاب يلائم تطور المعرفة الإنسانية ويخرج من أسر الأحادية إلي رحابة التعددية.
هذه كلها علامات إيجابية مشجعة تنبئ بأن المحظور أصبح مقبولا…هذا المحظور هوتحرير العقل من الانغلاق والتسلط والاختطاف وذلك ينقلنا إلي مساحة أرحب جدا من مجرد تجديد الخطاب الديني أو قصر الجهد المطلوب علي ماتجود به السلطة الدينية وحدها…إنه يضعنا أمام ما أعتبره المشروع القومي المصري والتحدي الأكبر-بخلاف التحديات السياسية والاقتصادية-الذي يستحق أن نحشد من أجله قوي الدولة والشعب علي السواء,وهو تحرير التعليم لإنتاج نوعية جديدة من الإنسان المصري قادرة علي استيعاب مستجدات العصر والتواؤم معها وفي نفس الوقت تكون محصنة ضد أي تراجع مستقبلي قد يمثل انتكاسة من جانب السلطة الدينية أو الدنيوية بغية إعادة اختطاف العقل.
تحرير العقل من خلال إعادة النظر في منظومة التعليم هو التخطيط طويل الأجل الذي يهدف إلي خلق مواطن مصري يمتلك أدوات التفكير والتقييم…مواطن مشارك في الحصول علي المعلومة غير متلق لها…مواطن يتاح له أن يتشكك في الحقيقة ويخضعها للفحص والمناقشة حتي يتثبت منها وبالتالي يكون منفتحا علي أن الحقيقة ليست مطلقة إلا عبر صمودها أمام استمرارية التطوير وتعددية الرؤي.
نقرأ كثيرا عن حتمية تطوير التعليم المصري,لكننا مازلنا أسري قصر حديث التطوير علي بناء المدارس الحديثة-مبان ومرافق-وتصميم مناهج وكتب تساير التقدم العلمي الإنساني…لكننا نسمع قليلا عن المواجهة الحقيقة والتحدي الأكبر لإعادة تشكيل العقل وتحريره وذلك يملي علينا حتمية اقتحام عقل المعلم وعقل التلميذ علي السواء.
أعرف أن ذلك يستلزم جهودا دؤوبة وتخطيطا طويل الأجل لن يؤتي ثماره علي المدي القصير,لكنه يجب أن يبدأ,ويجب أن ندرك أن المنظومة الحالية للتعليم سوف تستمر بالتوازي مع المنظومة الجديدة بحيث لايتعرض التعليم لصدمة تعرضه للارتباك أو التعثر إنما من خلال الإحلال التدريجي بين القديم والحديث يتم العبور الآمن إلي المستهدف من معلم وتلميذ ذوي مواصفات جديدة.
ولإدراك أهمية ما أقول يجب استيعاب حقائق غريبة علينا لجأت إليها دول سبقتنا في تطوير تعليمها…أولها أن صناعة المعلم تعتمد علي تحرير عقله من مقدم المعلومة-أو الكتابة أو المنهج- إلي التلميذ باعتبارها مسلما بها وغير قابلة للاعتراض,إلي محاور بارع يستفز مواطن الحوار والشك والفحص لدي التلميذ ويوجهه للمصادر المتعددة للمعرفة للبحث عن المعلومة والتثبت منها…بذلك نحصل علي معلم متفتح الأفق متحرر من المنهج والكتاب قادر علي استنفار طاقات التلميذ في البحث وإطلاق شغفه بالعلم,وعلي الجانب الآخر نحصل علي تلميذ يمتلك القدرة علي مناقشة المعلومة والمشاركة في البحث عنها والحصول عليها والتثبت منها…تلميذ يعتبر نفسه مشاركا فعالا في تأهيل نفسه علميا وليس مجرد وعاء يتم صب وجبات سابقة التجهيز داخله!!
وبدون فزع دعوني أقولي إننا بذلك نطلق العنان علي جانبي العملية التعليمية -المعلم والتلميذ- لتحرير العقل وإعادة تعريف التعددية ووضع أطر جديدة للتشكيك والرفض والتمرد لاقتحام آفاق التجديد والإبداع .لست خبيرا متخصصا في شئون التعليم,وأترك الأفكار التي طرحتها لمن هو أقدر مني علي رسم سبل تحقيق الثورة التعليمية,وأكرر أن علينا أن نستعين في ذلك بتجارب الدول التي سبقتنا في تطوير وتحديث منظوماتها التعليمية والبحثية والإبداعية…دول لم تقنع أنها محصنة ضد التأخر أو التخلف إلا إذا ثارت علي الجمود وحطمت قيود العقل.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com