بقلم : د.عبد الخالق حسين
صار الطفل السوري إيلان، أو(غيلان) عبدالله الكردي(1)، الذي عُثر على جثته على الشاطئ التركي رمزاً لمأساة الشعب السوري واللاجئين السوريين الذين يفرون من جحيم الإرهاب الإسلامي السني الوهابي، الذي حول هذا البلد الجميل إلى خرائب وأنقاض، وجعل شعبه عرضة للقتل والنهب والاغتصاب والتشريد، وضحية للمتاجرين بالبشر من أصحاب الضمائر الميتة، وطعاماً لأسماك القرش في البحر المتوسط، وهم يخاطرون بحياتهم في زوارق مطاطية، هروباً من بلاد المسلمين للوصول إلى أقرب ساحل أوربي، أملاً بالعيش بكرامة وأمان ومستقبل أفضل، لهم ولأطفالهم في بلاد "الكفار".
لم يكن الطفل إيلان الذي غرق مع أخيه وأمه هو الأول، ولا الأخير، في هذه المأساة، فقد غرق في الأشهر الماضية من هذا العام (2015)، نحو ألفين ومن مختلف الأعمار، أي ضعف العدد في العام الماضي. وبينهم مئات الأطفال لم تجرف أمواج البحر جثثهم إلى سواحل البحر المتوسط لتؤخذ لها الصور لتفضح وحشية البشر، ولكن صورة جثة إيلان وتصريحات والده هزت الضمير العالمي في كل مكان ليغيروا مواقفهم من اللاجئين البؤساء الهاربين من الإرهاب الوهابي. والمشكلة أن الذين دمروا سوريا وتسببوا في تشريد نصف شعبها في الداخل والخارج، يحاولون توظيف هذه المأساة البشرية لمصلحتهم، ليقولوا للعالم أن هؤلاء يفرون من جحيم بشار الأسد، دون الإشارة إلى وحشية وهمجية التنظيمات الإرهابية الوهابية التكفيرية مثل داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام وغيرها من فروع القاعدة الأم، والمدعومة بالمال والسلاح والخبرة من السعودية وقطر وتركيا، وبمباركة من أمريكا وإسرائيل. كانت جثة إيلان ثمناً باهظاً لإيقاظ الضمير العالمي وفضح الطغاة من حكام دول البترودولار الذين استخدموا ثرواتهم ضد الإنسانية والحضارة البشرية.
إن محنة المهاجرين السوريين وغير السوريين، التي تواجه أمريكا والدول الأوربية اليوم، هي نتاج سياسات طائشة لهذه الدول الغربية في تدمير المنطقة ولصالح إسرائيل. نعم هناك مظالم في الدول العربية نتيجة الأنظمة الديكتاتورية، ومنها نظام بشار الأسد، والتي أدت إلى انفجار الشعوب في انتفاضات (الربيع العربي)، لإقامة أنظمة ديمقراطية تحترم شعوبها. ولكن قوى الشر بما تتمتع به من خبرة وخبث ودهاء، نجحت في ركوب الموجة واستغلال غضب الجماهير العربية، وتحريفها عن أغراضها النبيلة، لتوجهها إلى أغراض شريرة لتدمير بلدانها.
نعم، نظام بشار الأسد هو دكتاتوري وخارج الزمن، و ساهم هو الآخر في تدمير العراق بإيواء الإرهابيين وتدريبهم وتنظيمهم و إرسالهم إلى العراق لقتل شعبه وتدمير ممتلاكته، إلى أن انقلب السحر على الساحر. وقد كتبنا ونصحنا هؤلاء القادة ومنهم بشار، أن يجنبوا أنفسهم من مصير صدام حسين، وذلك بتبني طريقة غروباتشوف في الإصلاح السياسي، ويقودوا عملية التحولات السلمية التدريجية بأنفسهم ليوفروا على أنفسهم وشعوبهم ما حصل في العراق والصومال من قبل. ولكن لا حياة لمن تنادي. فركبوا رؤوسهم وكان ما كان.
على أية حال، وبعد أن وقع الفأس في الرأس، نقول أن سبب فرار السوريين، أيها السادة، هو ليس "جحيم" بشار الأسد، بل جحيم الإرهاب الإسلامي السعودي –القطري- التركي المتوحش وبمباركة ودعم من أمريكا وإسرائيل. مرة أخرى نقول، أن كلامنا هذا ليس من باب نظرية المؤامرة لنلقي غسيلنا على شماعة الغرب وإسرائيل، كما يفعل الحكام العرب ليبرروا مظالمهم و تخلف شعوبهم، بل هناك حقائق أعترف بها الكتاب والباحثون والسياسيون الغربيون أنفسهم، و هناك شواهد حية مازالت طرية في الذاكرة تؤكد صحة ما نقول، وعلى سبيل المثال، قبل عامين طلب كل من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ورئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، من برلماناتهم تخويلاً لدعم "الثوار السوريين" "المعتدلين" بقصف القوات العسكرية السورية للإطاحة بنظام بشار الأسد، كما فعلوا بليبيا من قبل وتركوا شعبهاً فريسة للذئاب البشرية من العصابات الإرهابية التكفيرية. ولحسن الحظ، امتنع المشرعون في كلا البلدين منح هذا التخويل. و لما تدهورت الأمور وانكشفت حقيقة هذا الإرهاب المتوحش المدعوم غربياً وإقليميا، وطال الإرهاب حتى السواح الغربيين الأبرياء في تونس ومصر، راحت أمريكا وبريطانيا تقصف قواعد أعداء بشار الأسد من داعش، وجبهة النصرة، وأحرار الشام، وغيرهم من الوحوش البشرية التي لم يسلم منها حتى المعالم الحضارية القديمة، كما حصل أخيراً في آثار مدينة تدمر (Palmyra) السورية التاريخية.
لقد اتضحت الأمور الآن، ولا نحتاج إلى المزيد من الجهد لنثبت دور السعودية وقطر وتركيا في خلق ودعم التنظيمات اإرهابية التي دمرت سوريا والعراق، فالمئات من تقارير الصحف الغربية تشهد بذلك وبتكرار، والذي ينكر هذه الحقيقة فهو إما أعمى البصر والبصيرة، أو مجرم متعمد في التستر على الجناة الحقيقيين.
وآخر هذه الشهادة جاءت من الكاتب والصحفي الأمريكي الشهير، توماس فريدمان، المقرب من البيت الأبيض، في صحيفة نيويورك تايمز، في مقال له بعنوان تهكمي:(Our Radical Islamic BFF, Saudi Arabia)، أي (صديقنا الأفضل إلى الأبد المتطرف الإسلامي هو السعودية)(2). وخلاصة ما قاله فريدمان: "ان السعودية وليست إيران، هي التي تدعم الارهاب في العالم، وان واشنطن تتغاضى عن ذلك طمعا بالنفط السعودي... ". جاء مقال فريدمان ردا على مطالبات تقدم بها مائتان من جنرالات امريكيين متقاعدين، للكونغرس تدعو الى التصدي للاتفاقية النووية مع ايران بدعوى ان ايران تمول الارهاب العالمي". فتصوروا مدى تأثير اللوبي الإسرائيلي والخليجي على أمريكا. وربما ستكون لنا عودة في مقال لاحق في هذا الخصوص.
أما الدور الأمريكي في دعم الإرهاب الداعشي والقاعدي، فهناك شهادات كثيرة من المسؤولين الأمريكيين أنفسهم، وقد ذكرنا مراراً ما جاء على لسان السيدة هيلاري كلنتون، المرشحة لرئاسة الجمهورية في هذا الخصوص، يرجى مشاهدة الفيديو في الرابط(3). كما و شهد مؤخراً نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك تشيني، في مقابلة له مع CNN بمناسبة صدور كتاب له مع إبنته ليز، إعتبر أن الرئيس الحالي باراك أوباما هو المسؤول المباشر عن نشوء تنظيم “ داعش” الإرهابي.(4). وهل تريدون أدلة أخرى لتثبت حرص أمريكا على إبقاء الإرهاب في المنطقة؟ فها هو جون كيري، وزير خارجية أمريكا أعرب أمس (5 أيلول الجاري)، (عن قلق بلاده بشأن التقارير التي تفيد بوجود "تعزيزات عسكرية روسية وشيكة" في سوريا. محذراً نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن مثل هذا التطور يمكن أن يفاقم الحرب في سوريا، الأمر الذي يؤدي إلى ازدياد عدد اللاجئين وموت الأبرياء السوريين)(5). لاحظوا العبارة الأخيرة التي تبين مدى التلاعب بالألفاظ لإظهار الباطل بمظهر الحق. ودليل آخر، في العام الماضي طالب العراق أمريكا بإرسال الأسلحة التي دفعت الحكومة أثمانها لمحاربة داعش، رفض أوباما ذلك قائلاً : لا نساعد العراق في حربه على داعش طالما بقي المالكي رئيساً للحكومة!! ألا يعني هذا أن داعش صناعة أمريكية لتنفيذ ما تريده أمريكا في المنطقة؟
خلاصة القول، أن الملايين من السوريين يفرون من جحيم الإرهابيين التكفيريين المدعومين من السعودية وقطر وتركيا وإسرائيل وأمريكا، ورجال الدين الوهابيين المحرضين على الفتن الطائفية من أمثال القرضاوي وغيره، وليس من نظام بشار الأسد، كما يدعي بعض السياسيين الغربيين، والإعلام العربي الخليجي المضلل. أما الغرض من الضربات التي توجهها القوات الجوية الأمريكية على قواعد داعش في سوريا والعراق، فهي ليست للقضاء عليها نهائياً، بل لإبقائها ضمن حدود معينة، لا تستطيع الخروج منها وتتجاوز الخطوط المرسومة لها مسبقاً.
وعلى الحكومة السورية، والحكومة العراقية مقاضاة هذه الدول، وخاصة السعودية وقطر وتركيا، في الأمم المتحدة والمحافل الدولية الأخرى، بما جلبته من كوارث و مآسي إنسانية، وخسائر بشرية ومادية على الشعبين العراقي والسوري.
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون
© 2004 - 2011
www.copts-united.com