ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

الناس اللى حواليه!

بقلم : مفيد فوزى | 2015-09-26 15:55:12

  مفتون أنا بقراءة السير الذاتية للشخصيات العامة بشرط صدقها إلى حد الاعتراف بالضعف البشرى رغم الهالة والقوة، وقد وقعت فى يدى سيرة ذاتية لبيير ترودو، أحد أهم رؤساء وزراء كندا لسنوات، وكان متزوجاً من مرجريت ترودو، وكانت ممثلة ورسامة ومذيعة توك شو، وكان جمالها مضرب الأمثال، وانتهت حدوتة الزواج بالطلاق. لم تهمنى حياته الشخصية رغم أنها كانت تؤثر على قراراته أحياناً، لكن الأهم أنه كشف لأول مرة عن «معاونيه»، أو بأسلوبنا فى الشرق «الناس اللى حواليه». وقد لخص بيير ترودو دور معاونيه فى عبارة بليغة حين قال: «كنت أرى الأشياء بعيونهم رغم أن لى عينين، وأُوصف بحدة البصر». وفى موقع آخر يقول: «كنت أنحاز لأفكارهم خصوصاً الذين يكبروننى عمراً، فقد كانوا يزينون لى الأخطاء بسلوفان ملون». كان معاونو ترودو شديدى التأثير عليه، ولولا كتاب ترودو «Wrong Or right - هل هو صواب أم خطأ؟»، ما لمعت فى رأسى الكتابة عن «الناس اللى حول» المسؤول فى أى موقع وصاحب قرار، خفيراً كان أو وزيراً أو رئيس وزراء أو حاكماً، وفى الحس الشعبى المصرى نطلق عليهم «البطانة»، وأحياناً «الشلة»، ولكن الوصف الرسمى: معاونون. وكم من الكوارث تتسبب فيها بطانة المسؤول، ودائماً يفيق المسؤول صاحب القرار متأخراً، حيث إنه إما له شخصية تنساق وراء من يلونون له الخطأ بألوان الطيف، أو صاحب نوايا حسنة ويسهل الضحك عليه، أو تنقصه التجربة ويتأثر بآراء الآخرين.

وكانت المرأة الحديدية مسز تاتشر تصف معاونيها بأنهم «شياطين حتى يثبت لها أنهم ملائكة». وكان مبارك يصف معاونيه بأنهم «الفراودة»، وأضاف - كما قال لى فى حوار تليفزيونى - «لازم تبقى صاحى مع الفراودة»، وقد كان توقيت هذا الحوار مطلع حكمه. وغير معلوم.. كيف سارت الأحداث فيما بعد، وكيف أضاع «الفراودة» فرصاً مهمة فى تسديد إجوانا، لكن هذا يكمن فى شخصية الفراودة أنفسهم. ولقد اعتاد الناس أن يصبوا جام غضبهم على «الناس اللى حواليه»، وربما يبرئون صاحب المعالى، أو صاحب الفخامة، من الأخطاء الفادحة التى يلوكها الشارع. وفى أوراق ابن خلدون يقول إن المسؤولية «كل لا يتجزأ»، ولكن فى أدبيات المصرى القديم، كانوا «ينزهون» الفرعون عن الوقوع فى خطأ، ويرمون المسؤولية على معاونيه، ويوماً ما قال السادات لسيد مرعى «ماحبش حد يلوى إيدى».

■ ■ ■

ممن يتكون الفراودة؟ فى أغلب الأحيان من موظف قديم بدرجة وكيل وزارة، قارب سن المعاش ولديه خبرات إدارية متراكمة، ويعرف الثغرات فى القوانين، صوته هادئ، ويوحى بالثقة، ويبدو متعففاً ويغلف كلامه بمسحة من الزهد، وعندما يضل المسؤول، أياً كان، يقدم له نفسه على أنه الناصح الأمين ليزداد قرباً ويصبح لرأيه صدى عند معاليه أو فخامته أو فضيلته، أحياناً يكون المقرب شاباً حاد الذكاء، وغالباً ما يتولى تلميع السيد بـ«الورنيش الإعلامى» -على حد تعبير «إبراهيم سعدة». هذا الشاب يتمتع بكاريزما خاصة تجعل منه «الجوكر»، «ينفد» فى الحديد و«يقش»، إنه معسول الكلام، وكل مشكلة لها عنده حل، مدرب على الأوفسايد دون أن يلمحه الحكم، مهذب جداً، دائم الانحناء، قد يعدل ربطة عنق معاليه إذا لزم الأمر، وهو مجامل إلى أقصى حدود المجاملة، وعنده آخر نكتة، وآخر نميمة، وآخر إشاعة. ولأن المسؤول فى مصر أضعف عضو لديه هو «أذناه» فهو يسمع الناس اللى حواليه ويستملح ويضحك، وفى ثنايا هذا يوقع بقلمه، وهو الذى يختار لسيده متى يظهر على الشاشة ومتى يصمت، هناك من ينصح بعدم التوقيع وترك الأمور منشورة على حبال الاحتمالات ليفلت من المسؤولية، وإذا كانت صاحبة المعالى «ست» فإن الجوكر لا يبذل جهداً فى الوصول إلى عرينها، حيث إن المرأة ترى الدنيا بأذنيها ودائماً تضع الوزيرة ثقتها فى موظفة تتوسم فيها الخير حتى يثبت لها العكس، وقد ثبت أن أخطاء أصحاب المعالى أكثر من أخطاء صاحبات المعالى إلا فيما ندر، لأن المرأة حريصة بطبعها «وشكّاكة». آه من مديرى مكاتب الوزراء، فى بعض الأحيان قد يكون مدير مكتب الوزير أقوى وأكثر أهمية من الوزير نفسه. فى حكومة ما، كان يقال إن للوزارة «وزيرين» أحدهما واضح كالشمس والثانى فى الظل. فى حكومة أخرى كان الوزير لا يفتح فمه قبل استشارة «الناس اللى حواليه»، ربما لغفلته أو طيبته أو قلة خبرته. إن هذه الحميمية التى ظهر فيها وزير الزراعة مع مدير مكتبه «أهم الفراودة» تكشف عن أساليب السطو على أدمغة أصحاب المعالى أو أصحاب الفخامة أو أصحاب الفضيلة.

إن الفراودة، أى الناس اللى حواليهم، يبحثون دائماً عن نقط الضعف، نقط الضعف ربما كانت «فلوس» أو «قطعة أرض» أو «ثياباً فاخرة» أو «امرأة فاتنة» أو «عضوية ناد كبير»، وفى وقت ما، كانت القيادات السياسية تتعامى أو تتجاهل أو تتغابى عن ملفات تفوح منها رائحة فساد لسبب أو آخر. وقد دخلت بعدسات حديث المدينة «عش الدبابير» عدة مرات وخرجت سالماً، فقد تم حذف الصراحة الصادمة من البرنامج أو تم حذف البرنامج كله لأن «الصوت هندسياً يحول دون إذاعته»!! أو هكذا كان التبرير الساذج. إن مفكرتى فيها حكايات ولو كانت لى موهبة وحيد حامد فى الفكر السينمائى، لكتبت حدوتة «الناس اللى حواليه» وكشفت عن كواليس مذهلة لأطقم الوزراء، وسراديب العمل المظلمة التى تكشفها أجهزة الرقابة الوطنية، حيث كانت الرقابة فى وقت ما «تكفى على الخبر ماجور» ولا من شاف ولا من درى، لكن الأمور - الآن - اختلفت وصارت عيون الرقابة الإدارية وآذانها تلتقط عن بُعد فساد الأجهزة.

■ ■ ■

إن أخطر الإدارات المهمة فى الحكومات داخل الوزارات والهيئات هى الإدارات القانونية. إن وظيفتها تجميل معاليه، إن كل شىء بالقانون ولا مخالفات، ولكن هناك مديرى إدارات قانونية يجعلون من القانون كرباجاً، وينفذون من ثغراته إلى المخالفات التى تطويها الدفاتر، وقد لا يعلم معاليه إلا إذا تحرَّى وتقصَّى، وهذا الكلام موجه إلى الوزراء الجدد الذين يملكون النيات الطيبة ولا صلة لهم بالبنود المالية عصب اللعب مع الكبار. إن مديرى الإدارات القانونية تخصصوا فى المسموح وغير المسموح، وفى اللعب على المكشوف، وأنا لا أعمم فأسقط فى خطأ.

ولكن هناك فى مكتب معاليه من يلعب بالبيضة والحجر، ويبدأ الفساد باختبار صغير لصاحب المعالى، فإذا نجح، كبر واستفحل فى غيبة مراجعة أمينة أو فحص دقيق. إن بعض الوزراء يرفضون التوقيع على الأوراق، ولكن هناك مصطلحاً اسمه «بالأمر المباشر»، فيطاله الاتهام.

كل وزير يأتى بطقم جديد يساعده حتى لا يسقط فى المحظور، وقد يرفض صاحب المعالى أن تكون له «شلة»، ولكنها تولد بالأيام بإرادته أو بغير إرادته، فالناس اللى حواليه قدر مرسوم بضمائر أو بدون.

والسؤال هو: ما أخطاء البطانة أو الشلة أو الفراودة؟

١- أسلوب العرض، فإذا كان نزيهاً - كما هو الواقع دون إضافة - كان مثالياً، وإذا كان مغلوطاً ومشوهاً أو مفبركاً كان كارثة، وكان بعض الحكام فى تاريخ مصر يلجأون لقنوات أخرى - غير الناس اللى حواليه - ليصلوا للحقيقة.

٢- إنهم قد يشككون فى قرارات الدولة للبحث عن ثغرات للنفاذ منها لأغراض ليست بريئة.

٣- إنهم يوغرون صدر صاحب المعالى أو الفخامة أو الفضيلة ضد بشر بعينهم، وربما ينجحون فى التنكيل بهم، آجلاً أو عاجلاً.

٤- إنهم يزينون الأخطاء ببريق إعلامى محبوك.

٥- وإذا ظهر فى الأفق موظف بضمير رفض الزيف، أبعدوه فى الحال لـ «دواعى أمنية»!! وغالباً ما يصاب هذا الموظف باليأس والجنون ويمشى فى الشارع يكلم نفسه، ويلف على الجرايد والقنوات بحثاً عن أحد يسمع صوته.

■ ■ ■

فى سالف العصر والأوان، كان هناك «قانون: من أين لك هذا؟»، ولا أعرف إن كان سارياً أم أكلته السلعوة؟!

لكن «الناس اللى حواليه» دراما عصرية فى كل مكان أو زمان.. إما أن تقود المسؤول بالنزاهة وسلامة القصد فيسكن قلوب الناس، أو ينقاد لها بلا نزاهة أو سلامة قصد فيسكن - بالقانون - زنزانة فى سجن.

نقلا عن المصري اليوم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com