ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

دعوة الأردن لتوحيد بُلدان المشرق العربى

د. سعدالدين إبراهيم | 2015-09-26 16:18:39

كانت سوريا طوال القرن العشرين، يُشار إليها بأنها قلب العروبة النابض. ولكنا رأينا مع بداية القرن الواحد والعشرين كيف تعرض ذلك القلب للأزمات، واحدة بعد الأخرى، حتى كاد القلب أن يتوقف عن النبض. وكان آخر تلك الأزمات ظهور تنظيم ما يُسمى بالدولة الإسلامية فى العِراق والشام، والذى جرى اختصاره بـ داعش، وهو حركة بربرية مُتخلفة، يقودها مجموعة من سفاكى الدماء وأعداء الحضارة الإنسانية. وهى حركة لم ير هذا الجزء من العالم مثيلاً لها منذ إعصاف التتار فى القرن الثالث عشر الميلادى بقيادة جانكيزخان، ثم تيمورلينك، اللذين دمرا التراث البشرى والحضارة الإنسانية المُتراكمة على مر العصور التى سبقت إعصارهما.

المهم لموضوعنا، هو أن سوريا كانت هى المؤهلة موقعاً وموضعاً، لتوحيد بُلدان المشرق العربى التى كان قد جزّأها الاستعمار الأوروبى فيما عُرف فى أعقاب الحرب العالمية الأولى (١٩١٤-١٩١٨) باتفاقية سايكس ـ بيكو (Sykes-Picot)، حيث كانت العِراق والأردن وفلسطين من نصيب بريطانيا، وسوريا ولبنان من نصيب فرنسا. وظل العرب عموماً، والعرب المشارقة خصوصاً يرفضون تلك التجزئة، ويعتبرون سايكس بيكو، شأن وعد بلفور البريطانى للحركة الصهيونية، جراحاً غائرة فى جسم الأمة العربية جمعاء. ولكن العجز المتوارث فى بنية الدول، أو الدويلات العربية التى ظهرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يُمكّنها التوحد أو حتى التكامل، رغم رغبة الشعوب فى ذلك.

ولكن سوريا التى كانت مؤهلة لقيادة حركة توحيد المشرق خصوصاً، إن لم يكن الوطن العربى كله، أنهكتها الانقلابات العسكرية والاستقطابات الأيديولوجية، ثم أخيراً الانقسامات الطائفية. فلم تفشل فقط فى توحيد الوطن العربى، أو حتى مشرقه، بل إنها أيضاً فشلت فى الحفاظ على وحدة القُطر السورى نفسه، الذى قوضه الحُكم البعثى لحافظ الأسد، ثم لابنه بشار الأسد، وأصهارهما من عائلة مخلوف.

ولأن العِراق مُثخن أيضاً بجراح وانقسامات عرقية وطائفية عمّقها واستغلها الحكم البعثى المستبد لصدام حسين، وللأسف فإن من ثاروا عليه، ثم مكنهم الاحتلال الأمريكى فأصبحوا النُخبة الحاكمة من الطائفة الشيعية لم تعُد مؤهلة لقيادة أى مُبادرة توحيدية للمشرق العربى.

وللغرابة وسُخرية التاريخ أن الأردن ونُخبته الهاشمية الحاكمة أصبحا الآن الأكبر قدرة ورغبة واستعداداً لهذا الدور التوحيدى للمشرق العربى.

فرغم صغر حجمه سُكانياً (أربعة ملايين نسمة)، إلا أنه يتمتع بدولة قوية نسبياً، من حيث كفاءة جهاز خدمتها المدنية، ومن حيث قوة وتماسك مؤسستها العسكرية، ومن حيث المستوى التنموى العام لسُكانها. فهم الأكثر تعليماً فى المشرق كله بعد لبنان. كما أن النُخبة الحاكمة الأردنية هى الأكثر ثقافة وانفتاحاً على العالم الخارجى.

والمُفارقة التاريخية هى أن الأسرة الهاشمية الحاكمة كانت تعتبر أن قضية الوحدة العربية هى أساس شرعيتها، منذ قاد مؤسسها، وهو الشريف حسين الثورة العربية الكُبرى، ضد الحُكم العثمانى (١٩١٤-١٩١٧). ولم يحل دون هذا التوحيد إلا خداع حُلفائه الغربيين أثناء الحرب العالمية الأولى، وحنثهم بما كانت بريطانيا قد وعدته به، فيما يُعرف باتفاق حسين- ماكماهون، الاتفاق الذى كان ينطوى على استقلال ووحدة الولايات العربية للدولة العثمانية، ولكنه تقلص إلى الأردن والعِراق، حيث تولى أحد أبناء حسين وهو فيصل حُكم العِراق، وتولى الابن الثانى وهو عبدالله حُكم شرق الأردن، واستبعدت سوريا ولبنان وفلسطين. فتولت فرنسا أمر سوريا ولبنان، وتولت بريطانيا مؤقتاً أمر فلسطين التى كانت قد وعدها البريطانى بلفور وطناً قومياً لليهود.

المهم لموضوعنا أن الهاشميين كانوا أصحاب سجل مشهود فى الدعوة لوحدة بُلدان المشرق العربى. وفى ضوء التمزق والدمار الذى أصاب بُلدانه (العِراق ـ لبنان ـ وسوريا)، لم يبق إلا الأردن قادراً ومؤهلاً للقيام بهذا الدور.

ولا يبدو أن مُبادرة من هذا القبيل ستُعارضها أى من الدول الكُبرى ـ أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا ولا حتى إسرائيل. فعلاقة تلك الدول بالأردن جيدة تاريخياً إلى الوقت الحاضر. كما لن تُعارضها أى من الدول العربية الفاعلة فى النظام الإقليمى العربى، وأهمها مصر والسعودية والمغرب.

وإذا كانت ثمة مُعارضة تُذكر، فستكون من نظام البعث السورى لبشار الأسد. ولكن أيام هذا النظام أصبحت معدودة، بعد أن فقد شرعيته سورياً وعربياً، ولم يعد حتى قادراً على السيطرة الفعلية على معظم الأراضى السورية.

هذا فضلاً عن أن الأردن بُحكم استقراره ورخائه النسبى، أصبح فى الثلاثين سنة الأخيرة ملجأ وموطناً لملايين ممن شتتتهم الصراعات المُسلحة فى بُلدان المشرق ـ لبنان والعِراق وسوريا. فهو يستضيف الآن ما يقرب من عدد سُكانه الأصليين من تلك البُلدان المشرقية. لذلك ستحظى أى مُبادرة أردنية لتوحيد فيدرالى لتلك البُلدان بالترحيب داخلياً وإقليمياً ودولياً.

أما الصِراع القديم بين الأسرتين الحاكمتين السعودية والهاشمية فقد تطور فى الخمسين عاماً الأخيرة إلى تحالف فى مواجهة الإرهاب. وهو تحالف ترعاه وتُباركه الدول الكُبرى وكذلك دول الجوار العربية الأخرى.

فليمض الملك الشاب عبدالله بن الحُسين، بمساعدة عمه المُحنك والحكيم الأمير الحسن، لإنجاز هذا الحلم التوحيدى الذى عمل له أجداده، وأربعة أجيال من الوحدويين العرب.

اللهم قد بلغت.. اللهم فاشهد

وعلى الله قصد السبيل

نقلا من المصري اليوم

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com