يحتار المحلل، وهو يتابع الصراع الدائر فى العالم حالياً بين العديد من الدول من ناحية، والإرهاب من ناحية أخرى، فمن العجيب أن تجد «الإرهاب» يتحرك برؤية محددة -بغض النظر عن كونها تحمل مضموناً مشوهاً وغير إنسانى- فى مواجهة السلطات داخل البلاد التى تعانى من الإرهاب والتى تفتقر إلى الرؤية الواضحة، فلو تأملت أداء تنظيم «داعش»، فستجد أنه يتحرك من رؤية واضحة إلى حد ما، تلخصها كلمة «الخلافة». فهم يرون أن العالم المعاصر غارق حتى أذنيه فى ظلام الجاهلية والمادية وعبادة الفرد، وأنهم وحدهم الذين يملكون إنقاذه من خلال الارتداد به من اللحظة المعيشة إلى غيابات التاريخ، ليعودوا به إلى الوراء ما يزيد على 14 قرناً من الزمان، لاستعادة نموذج دولة الخلافة!. وبعيداً عن فساد هذه الرؤية واللا عقلانية التى تتسم بها، إلا أنها لا تفتقر إلى الوضوح الذى ينعكس فى بلورة مهام محددة لكل المؤمنين بها حتى يتسنى لهم الوصول إلى الهدف، هذه المهام تتمثل فى القتل والسفك والتفجير والتدمير من أجل «تدويخ» العالم حتى يصل أتباع داعش إلى الهدف، يتبنى التنظيم أيضاً سياسات واضحة فى التحرك ملخصها أن «الأرض كلها ساحة معركة».
السؤال الذى يجب طرحه بعد ذلك: هل يمتلك المكتوون بإرهاب «داعش» رؤية واضحة فى التعامل معه؟. لو أنك لاحظت الدول التى تحرك «داعش» ضدها خلال الأيام الأخيرة، مثل مصر وروسيا وفرنسا، فستجد أنها تتعامل مع الإرهاب بـ«القطعة»، ولا تنطلق من رؤية واضحة المعالم لها هدف محدد يفترض أن يكون «القضاء على الإرهاب». ورغم الفروق الواضحة بين ظروف الأنظمة السياسية داخل مصر وفرنسا وروسيا، فإنها تتعامل بنفس الطريقة، إذ تنطلق من عدة فرضيات، أهمها: نحن أقوى من أى إرهاب، وبإمكاننا القضاء عليه بسهولة، وشعوب العالم تؤيدنا فى سعينا نحو تحقيق هذا الهدف، ومنطق العلم يقول إن أى فرضية تتحول إلى حقيقة بعد اختبارها، فهل اختبرت الأنظمة الثلاثة هذه الفرضيات؟!. وفى أغلب الأحوال تتعامل الأنظمة مع الإرهاب بمنطق رد الفعل، فبمجرد أن تحدث عملية تتحرك الآليات العسكرية بأعلى درجات الكثافة لتنفذ عمليات انتقامية فى مطاردة المسئولين الإرهابيين، وربما نجحت هذه الطريقة فى القضاء على عناصر منهم، لكن التجربة تقول إنها تساهم فى إنتاج إرهابيين جدد، عندما تطول نيرانها أبرياء، وما أكثر ما يحدث ذلك!. ويتعامل الإرهابيون مع هذه الطريقة فى مواجهتهم بأسلوب أوقع، إذ يتوقفون بعد كل عملية يقومون بها، ويمكثون فى انتظار حالة «النوم» التى تصيب الأنظمة الحاكمة، حتماً، بعد فترة من التحرك المحموم.
«بوتين» بادر إلى الاجتماع مع مجلسه العسكرى بعد إعلانه عن أن الطائرة الروسية سقطت بفعل قنبلة، والمجلس الأعلى للقوات المسلحة اجتمع فى مصر، ورئيس الوزراء الفرنسى «مانويل فالس» أصبح أشهر من نار على علم بعد مذبحة «باريس». كل ذلك يمنحك مؤشراً على طريقة التحرك بالقطعة، وعلى غياب الرؤية التى تبحث فى أسباب الإرهاب، قبل أن تتعامل مع أعراضه. تُرى ما السبب الذى يدفع الأنظمة الحاكمة فى دول عديدة إلى الهرب من مسألة البحث عن الأسباب الحقيقية للإرهاب؟
نقلا عن الوطن
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com