ما معنى تحليق مروحيات فى سماء بروكسل مع بدء عملية أمنية واسعة النطاق فى العاصمة البلجيكية وضواحيها؟ وما معنى إخلاء الشرطة البلجيكية ساحة وسط بروكسل بسبب عملية أمنية، وطلبها من نزلاء فندق راديسون ملازمة غرفهم بسبب معلومات حول وجود تهديدات حقيقية ووشيكة؟ هل فقدت بلجيكا السيطرة على عاصمتها فى مواجهة الإرهاب؟ هل وجب وضع الوصاية الدولية على بروكسل لأن الأمر خرج عن سيطرة الدولة؟ بالتأكيد لا..
إنه الإرهاب وتلك هى المواجهة، فينطلق الأمن البلجيكى للتخلص من الخلايا الإرهابية، وفى الوقت نفسه يتخذ الإجراءات اللازمة لحماية المدنيين حتى لو تم ذلك بفرض حظر تجوال فى بعض الأماكن ونصح السكان بعدم الاقتراب من النوافذ.. هكذا يكون الرد العاقل والمنطقى لأن بروكسل ربما يكون فيها عدة عشرات من المتطرفين الإرهابيين يستعدون لضرب الدولة فى العمق وتهديد حياة السكان والسائحين.
ولكن عندما حدث الأمر نفسه، وربما بشكل أكبر فى سيناء، خرجت صيحات الاستهجان من فرض حظر التجوال فى شمال سيناء أو إخلاء مناطق من سكانها حتى لا يتعرضوا للخطر من جراء العمليات، وقيل إنه تهجير قسرى، وتم اتهام القوات المسلحة المصرية والدولة بأكملها باتهامات هى بريئة منها تماما، رغم أن عدد التكفيريين والمتطرفين والإرهابيين يقدر ببضعة آلاف وليس بضع عشرات.. هكذا تفعل الدول فتتدخل بعمليات جراحية سريعة وقاسية لإنقاذ حياة المواطنين والزائرين على حد سواء.
فى بروكسل، عاصمة أوروبا، الجيش منتشر، والحركة شبه مشلولة خشية وقوع اعتداءات مماثلة لاعتداءات باريس، وتم الحد من المناسبات العامة وإغلاق مترو الأنفاق والمدارس ودور الحضانة والجامعات وذلك لعدة أيام.. فما الفارق؟ سيناء الواقعة على الحدود مع فلسطين المحتلة، وحيث أصبحت كل أجهزة المخابرات، وعلى رأسها المخابرات الإسرائيلية، تتخذ منها ملعباً فى جيم جديد يضغط على أعصاب العالم كله، بينما بروكسل الواقعة فى قلب أوروبا تركت نفسها لتكون سوقا للسلاح الرخيص تباع فيها البنادق الكلاشينكوف بأقل من ألف دولار، وسوقا للتهريب وغسيل الأموال لشتى أنواع الجرائم بدعوى الحرية.
الدول لا تتعامل مع أراضيها ومواطنيها يا سادة إلا بكل حزم وحسم إذا كان هناك تهديد ليس فقط لحياتهم ولكن لأسلوب حياتهم أيضا.. داعش لم تطفئ أنوار باريس إلا للحظات معدودة حتى ولو كانت أياما، ولكن الشعب الفرنسى توحد دون نفاق خلف جيشه، وكذلك فعل البلجيكيون بعدما أجبرهم الخوف على الاختفاء داخل منازلهم.. ولكن فلاسفة العهد الجديد عندنا حللوا وانتقدوا وبادروا بتقديم وجبة انتقامية باردة من أى إجراء لم يروا فيه أن الدولة تستعيد السيادة على أراضيها وتحمى أرواح الأبرياء.
نجح رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون فى انتزاع تأييد منافسه، رئيس حزب العمال، على المشاركة فى الحملة على سوريا- أو ما سموها الحملة على داعش فى سوريا- بعدما ارتفع لواء التهديد لشوارع لندن رغم أنه لم يكن هناك أى تهديد، ولكن الذريعة هى ما حدث فى باريس.. فانتصر كاميرون ولم يصبح هناك أى صوت يعلو فى بريطانيا على صوت المعركة، وكذلك الأمر فى كل دول العالم.. إلا هنا.
نعم إلا هنا.. الصوت يعلو على صوت المعركة على الإرهاب، والصوت يعلو على أى شىء يدور فى بلادنا، فكثيرا ما نسمع «الزعيق» و«النعيق» وربما «النهيق» فى بلادى.. فهل يصمت هؤلاء الذين صاروا أكثر ملكية من الملك بعدما رأوا إجراءات أوروبا وأمريكا؟ بالطبع لن يصمتوا، فهم يعلمون أنه لا رادع لهم مهما رفضهم الناس ولفظوهم.. ولكن إن غداً لناظره قريب.
نقلا عن المصرى اليوم
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com