بقلم : نبيل المقدس
فعلا الرب يعطي سلاما للمؤمنين ... السلام الذي ينبع من محبة الله , ومنه إلي محبة الإنسان إلي أخيه الإنسان , مهما كان هذا الإنسان ... عدوي أو قريبي ... أذاني أو كافأني ... أحبني أو كرهني ... ذلني أو رفع من شأني ... كان لي خائنا أو أمينا ... إضطهدني أو أكرمني ... خالفني في الرأي أو العقيدة أو متفق معي ... طعني في ظهري أو ضمد جرحي ... نبذني أو رحب بي .
محبتنا التي تعلمناها من السيد الرب هي محبة " أغابي " وتعني محبة لغير مستحقيها، هي محبة تعطى وتبذل ولا تطلب مقابل لذلك وكمثال لها محبة الله لنا. ومحبة الأم لأولادها. وكانت كلمة أغابى نادرة الإستعمال في اليونانية حتى إستخدمها المسيحيين وجعلوها كلمتهم المميزة في نوعية المحبة، وهى الكلمة التي إستخدمها بولس الرسول. وكلمة أغابى هي الدرجة الأعلى في المحبة . هكذا كان إعتذار البابا ... فقط من منطلق المحبة التي هي اصبحت صفة عادية لكل من آمن بالرب يسوع كمخلص وواهب الحياة .
كذلك وإن " كانت لي نبوة واعلم جميع الاسرار وكل علم وان كان لي كل الايمان حتى انقل الجبال ولكن ليس لي محبة فلست شيئا ". كثير من رجال العهد القديم تنبأوا ... فقيافا تنبأ (يو 11: 49-51) وبلعام تنبأ (عد 38:22- 25:24) و شاول الملك تنبأ (1صم 14:16-23، 19:9) ومع هذا فقد هلكوا. فلو إعتبرنا أن من ضمن الصفات الأساسية للإنسان الروحي هي النبوات ومعرفة الأسرار لكنهم بدون محبة ستصبح أعمال جسد أو خدع شيطانية.
"ان اطعمت كل اموالي وان سلمت جسدي حتى احترق ولكن ليس لي محبة فلا انتفع شيئا ". وفي هذه الآية اركز علي إن سلمت جسدي حتي أحترق ... ربما هذه التضحية لأجل الدفاع عن الإيمان أو في سبيل الآخرين أو في سبيل الوطن . لكن هذا البذل بالذات, إن لم يكن يصاحبه محبة فما هو الدافع للتضحية بالذات سوى الشهرة والمجد الشخصي .
فمن مبدأ المحبة " أغابي " أنها " تتانى وترفق و لا تحسد و لا تتفاخر ولا تنتفخ. ولا تقبح ولا تطلب ما لنفسها ولا تحتد ولا تظن السوء. ولا تفرح بالاثم بل تفرح بالحق. وتحتمل كل شيء وتصدق كل شيء وترجو كل شيء وتصبرعلى كل شيء.... ومن هذا المنطلق حول المعاني الحقيقية للمحبة تقدم البابا , وبكل تواضع المخلوط بإفتخاره بمسيحيته , وبإيمانه العميق بيسوعه , وبعظمة الحياة المسيحية , والتي تنحني لها باقي الأديان تكبيرا وإحتراما لها بل وإعترافا بها ... تقدم إلي وسائل الإعلام لكي يلقي درسا في المحبة " أغابي " والتي يفتقدون معناها , ولم يمارسونها علي حقيقتها ولم يقرأوها في كتبهم , ولا تُوجد في تعاليمهم ... بل هم ربما يعرفون المحبة والتي تعني ( المودة ) والتي جاءت باليونانية بكلمة " فيليا " وهي الأكثر شيوعاً بين جميع الديانات الأخري. وشتان بين أغابي وفيليا ... حيث أن صفة وخصائص المودة ( فيليا ) لا ترقي باي حال من الأحوال إلي مستوي المحبة ( أغابي ).
ومن آمانة وشجاعة البابا أنه لم يعتذر عما يحويه تصريحات الأنبا بيشوي ... بل كان إعتذاره عن تأثير الحقيقة علي إخوتنا المسلمين ... وهذه هي قمة الشجاعة الممزوجة بالحب وعدم الإساءة إلي إخوتنا المسلمين كأشخاص ... لكن ترك التساؤلات في ملعبهم وعليهم الرد بالطرق الهادئة بعيدا عن الإستياء والإستهزاء والعنف والحقد والبطش . ولو كان مبدأ الإعتذار عن ما حواه الأنبا بيشوي ... فنحن ننتظر أولا اعتذارين من رياستهم ... الإعتذار الأول علي كل كلمة باطلة تقال وما تزال تـُقال منذ 1500 سنة عن حقيقة كتابنا المقدس , وعن باقي معتقدتانا ... أما الإعتذار الثاني فهو يكون موجه لكل مسيحي مصري لأنه يـُسب ويُشتم يوميا سبع مرات علنا في الميكروفونات علي مدار اليوم كله . !!!!
فعلا أنه إعتذار قاتل ... فالكلمة الحلوة والإعتذار من منطلق المحبة والتواضع هي أقوي بكثير وامضي بكثير من حد السيف . نحن لا نطالبهم بتغيير آياتهم التي تحض علي كراهية باقي الأديان أو تشكيك في كتابنا المقدس ... بل نطلب منهم أن يتلوها في أماكن عبادتهم ولا تخرج هذه الآيات خارج اماكن عبادتهم ... هذا لو كانت لديهم مباديء المحبة " أغابي " . وما يؤسفني لم أجد في اي ديانة أخري , ومنها البوذية وهي الأكثر عددا , انهم يذمون الآخرين ويستهزءون بمعتقداتهم . نحن لا ننظر إلي الأسلمة بحقد أو بغيرة ... لأننا تعلمنا من الرب حرية الإرادة الشخصية . لم يأمرنا برفع السلاح أو استخدام وسائل الضغط للتنصير ... بل نحن نبشر بالخبر السار الذي بشرنا به الله في إبنه يسوع المسيح وانعم علينا بالخلاص المجاني.
حياتنا المسيحية ... قوة ... تواضع ... شجاعة ... تسامح ... صراحة ... حرية ... خلاص ... واخيرا محبة إلهية .
وهذا ما لاحظناه في الإجتمـــاع الأخيـــــر للبابا شنوده , وهو واقف بقوة الروح القدس يتحدي عمل الإبليس , وانقذ الشعب المسيحي من مجازر ربما كانت علي وشك الحدوث ... لم يتخذ الشعب من إعتذاره تقليلا من مكانته ... بل بالعكس كانوا فخورين بهذا العمل ... ما يزال حتي الآن نسمع ونقرأ بعض الذين يدعون انفسهم حماة الإسلام يلقون الشتائم والسب علي مسيحي مصر ورموزها ... لكن ما أوجعهم وأشعلهم لهيبا هي تلك الروح الفرحة والمرحة التي كانت مرتسمة علي وجه البابا وشعبه يوم الأربعاء السابق والتي تجلت في إلقاء نكتتين اسعدت شعب الكنيسة .
فعلا الحياة المسيحية تعطي فرح وسرور ... لأن الرب اصلا رب الفرح والسرور
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com