تعليقا على الكلام المتداول من البعض على عدم الترحم على موتى الملهى الليلي في العجوزة. أو الحكم عليهم أنهم ذاهبون إلى جهنم.
*
هل من حقنا الحكم على الناس بالنجاة أو الهلاك بناء على واقعهم..؟
سنضرب مثالا بكفار قريش.. أشد الناس شرا وعدوانا وظلما.. الأكثر من ذلك هؤلاء الذين ساروا منهم 500 كيلو من مكة وتجمعوا عند جبل أحد واقتحموا على المسلمين حدود المدينة لكسر شوكة الإسلام وقتل الرسول وإبادة المسلمين.وفي تلك الحرب، ضربوا رسول الله وشجوا رأسه وكسروا فكه وأصيب في ركبته وظل يعرج عليها لسنين، وتمرغ في التراب حتى ينجو من سيوفهم.
وبعد عودة الرسول بهذا الوضع المذري، قال بأسى: "لن يفلح قوم فعلوا ذلك بنبيهم". هذا هو رسول الله. ومن حقه بعد أن أصيب بتلك الطريقة. أن يحكم عليهم بعدم الفلاح.ولكن الله لم يرض ذلك. ورفض قول رسول الله. لا أحد فوق المساءلة في الإسلام حتى لو كان الحبيب المصطفى. وليس من حق أحد أن يصادر حق من حقوق الله تعالى في حساب عبيده. ونزلت الآيات القرآنية ترد على النبي: (لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ).
ليس لك من أمر الآخرة شيء يا محمد. ربهم هو الذي يحاسبهم. ربهم هو الذي يتوب ويغفر ويتجاوز عن عباده. حتى لو كانوا مشركي مكة ومقاتلي قريش الذين أهانوا نبيهم.. نعم.. أو يعذبهم.
فكيف نتجرأ على من هم أقل شرا وبطشا من كفار قريش..! ونحن لم نحز رتبة نبي؟!
وفي الحديث الصحيح كما جاء في البخاري، كان رجلا من الصحابة اسمه عبد الله الحمار، كانوا يأتون به كثيرا وهو قد شرب الخمر حد السكر ويتطوح في الطريق العام. فيضربوه ويذهب. ولا يقلع عنها. ويتم القبض عليه ويتم عقابه. وهكذا.
وفي مرة لعنه أحد الصحابة.. فسمع الرسول قوله، فغضب له، وقال مدافعا عن عبد الله: "لا تلعنه، إنه رجل يحب الله ويحب الرسول..!".
الرسول يرفض شتيمة رجل خمورجي، ويدافع عنه، ويضع له مكانة رفيعة ربما لا ينالها جموعنا، وهي حب الله ورسوله. وفيهما نجاة أكيدة. وكان النبي يحب عبد الله ويضحك من حديثه.
معصية وحيدة ليست بالضرورة أن تجعل صاحبها ضمن الهالكين. حتى لو كانت من الكبائر. وحتى لو كانت ظاهرة لنا. والحب يعالج كل شيء، كما قال الرسول. الكارثة أن بعضا من مدعي التدين، يقومون بكل الفروض، لكن الحب لم يتخلل قلوبهم الصلبة.. فهل عساهم ناجون بالطاعة..!
في أسباب النزول، كانت اليهود والنصارى يتبادلون الاتهامات فيما بينهم، فيقول اليهود لن يدخل النصارى إلى جنة السماء. وكذلك ترد النصارى عليهم أنهم لن يحوذوا ملكوت السماء. وكان أحد الصحابة يتورط معهم في هذا الحوار ويتهمهم أيضا أنهم هالكون. فنزلت الآيات تذم هذا الفعل وتصفه بالبطلان، وأن يكف الجميع عن ادعاء ذلك.. (وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانوا فيه يخْتَلفون).
لاحظ وصف القرآن للفريق الثالث، الذين لا يعلمون، والذين يرددون نفس كلام اليهود والنصارى.. على أرجح الأقوال هم المسلمين. والوصف هنا وصف سيئ. لا يعلمون. جهلاء. ولا يعرفون حقيقة محاسبة الله لعباده.
ثم، التأكيد في نهاية الآية أن الأمر ليس من اختصاص البشر، وليس من حق أحد أن يتصدى لقضية كتلك. وأنه حوار فاسد. وأن الله يحكم بينهم يوم القيامة. فالحكم ليس في الدنيا.
بعد كل ذلك، يزعم أحد أنه قادر على الحكم على مصير أحد..!
نقلا عن دوت مصر
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com