ÇáÃÞÈÇØ ãÊÍÏæä
طباعة الصفحة

ما بين آذان وآذان

| 2010-10-11 00:00:00


بقلم: ماري مراد

لا أستطيع نسيان طفولتي في منطقة العباسية وعلاقتي بالآذان الذي كان يرتفع أربع مرات أثناء يومي القصير الذي يبدأ بعد الفجر بساعات. كان صوت المؤذن من الجامع القريب من بيتنا رخيمًا هادئًا يبعث سلاماً في النفس. لم تكن الميكروفونات مثل اليوم بالطبع رغم الأصوات المحشرجة المعدنية الصادرة منها إلا أنها كثيراً ما كانت تتعطل ونسمع صوته مباشرة من الجامع. أحببت تقليده وحفظت الآذان منه بكل تفاصيل لحنه وتنويعاته وظللت أردده حتى قلقت جدتي يوماً وأخبرتني أخيراً أنه صلاة"لمسلمين" وأنني قد أسيء لأحد الجيران أو الأصدقاء بترديده هكذا مما إضطرني للتوقف. 
كان رمضان بالذات أمتع الأوقات حين تفرغ الشوارع من أصوات التروماي والأتوبيسات والزحام ساعة المغرب وينطلق صوت الآذان مبشراً بموعد الإفطار. بالطبع كنا نسمع عن بعد عشرة آذانات من عشرة جوامع تنتشر هنا وهناك وترتفع أصواتها مع صمت الشارع. ولكن لم تكن قط مباراة في الصوت العالي والإطالة.
 
وتركت الطفولة وتركت بيتنا القديم ورحلت شمالاً وجنوبا وإستقر بي المطاف بعد سنوات قرب جامع مرة أخرى. لكن مع الأسف كانت الخبرة شديدة الاختلاف. بين الميكروفونات التي إزداد  صوتها إرتفاعاً أضعافاً وبين المؤذنين ذوي الأصوات القبيحة، تحول الآذان إلى إزعاجِ مؤسف! لم أصدق يوماً أن يتحول الآذان الذي إختير من أجله “بلال” صاحب الصوت الجميل إلى صراعِ على الأصوات القبيحة. لم أصدق سهولة الإستغناء عن الأصل في الموضوع وهو الدعوة  إلى االصلاة وليس إزعاجاً للخلق وإزهاقاً لروح الموسيقى لديهم! لماذا توضع الألحان إذاً إن كانت تقدم بهذه الصورة الرديئة؟
غير التفنن في إطالة الصلاة، والذي يثير التعجب، أصبحت أصوات الدعوة للصلاة صراخاً في الميكروفون!! لا إعلم لماذا  الصراخ  في وجود  الميكروفون ولكن ربما للأمر علاقة بالطغيان على أصوات الجوامع القريبة الأخرى غالباً.
وللإستزادة قرر مؤذن الجامع المجاور أن يقرأ القرآن بعد صلاة الفجر كل يوم بنفس الصراخ المؤلم! وفجأة تحول الآذان إلى أكبر مصدر إزعاج في المنطقة من طول القراءات التي قد تستمر نصف ساعة أو أكثر.
 
نام عندنا مرة صديق وإعترض وأبلغ عن الأمر، ولكن نظرات الإستهجان في عيون موظفي  القسم التابع حين أبلغهم شكواه أكدت أن الأمر ميؤسٌ منه!
سألت بعض الجيران إن كان ذلك من أصول الدين وإن كانت هذه الأصوات العالية في الفجر تشجع على الصلاة، فكانت معظم الإجابات  الرفض التام وأخبرني البعض  عن محاولاته لإبطال ذلك والتي باءت كلها بالفشل. وبعد زيارتي لباكستان والهند والمغرب تأكد لدي أن هذه الأصوات العالية القبيحة تميز مصر بالذات مع الأسف وليس لها علاقة بصحيح الدين.
طلبت يوماً من سائق تاكسي خفض صوت الراديو قليلاً فما كان منه إلا أن رفض لأنه يذيع قرآن! وعندما سألته عن السبب قال أن القرآن يجب أن يُسمع بصوتٍ عالٍ  وإن كان “مش عاجبني أشوف تاكسي تاني” وهو ما فعلته بالضبط.
والسؤال الذي خطر ببالي اليوم هو: هل “اشوف بلد تاني” حتى لا أضطر لتحمل الصوت القبيح لمؤذني الجوامع الجدد؟ 
هل من إقتراحات؟

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع

جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com