لم يكن أيٌّ منا له يد أو فضل في كونه مسلمًا أو مسيحيًّا، فذلك نتيجة للمناخ الذي ولد وتربى فيه، فالديانة المسيحية جاءت وافدة من الشرق والدين الإسلامي أيضًا جاء وافدًا من الشرق وكلاهما منزل من عند الله سبحانه وتعالى، وقبلهما كانت اليهودية التي أنزلت على موسى في أرض مصر لبني إسرائيل الذين كانوا مستضعفين ومستعبدين هم والمصريين بحكم الاحتلال (فكلمة "فرعون" اسم وليس صفة كما يدَّعي الناس من العامة والخاصة – كان حاكمًا لمصر المحتلة وهو من قبائل الهكسوس الذي كان منهم وليس مصريًّا بشهادة الدين والتاريخ).
فلا يوجد مخطوط واحد مدون عليه كلمة "فرعون" في جميع معابد مصر، ولم يكن الله العلي القدير يفخِّم شخصًا كافرًا بآياته ويلقي علية لقب (فرعون كما يدعي الناس) في حين أن من أبسط قواعد اللغة العربية أن الأسماء توجد في سياق متصل وليس بينهم صفة ومتصلة مثل "وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ" 38 العنكبوت. "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ". 40 غافر "وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ" 4 إبراهيم. فلم يكتفِ الحق العلي القدير بأن يكون الرسول من نفس القوم المرسل إليهم، بل لا بد أن يكون بلسانهم ليشرح لهم ويفصل الآيات.
وقبل ذلك لم يكن المصريون القدماء عبدة أوثان كما يدعي منظِّرو التاريخ والدين، فلا يوجد تمثال واحد يُعبَد في أي من معابد مصر بطولها وعرضها، بل الأخطر هو تسمية الملائكة على أنهم معبودات - فالتأني بالنظر للكتابة المدوَّنة والرسومات على المعابد والمقابر المصرية القديمة يكتشف أن تصوير المصري القديم للملائكة (جسم إنسان برأس صقر أو ثعبان أو لبؤة وما شابه دون أعضاء تناسلية) هو لتقريبها لذهن المصري بما سوف يلاقيه عند الحساب بعد الممات من ثواب أو عقاب على يد الملائكة قبل الحساب علاوة على 42 اعترافًا إنكاريًّا يقول فيه المتوفَّى للملكين إني لم أقتل ولم أزنِ ولم أقتلع شجرة مثمرة ولم أكذب ولم.....) بالإضافة إلى الميزان الذي فيه قلب المتوفَّى في كفة وأعماله في الكفة الأخرى على هيئة ريشة، ثم إيمان المصري القديم بالآخرة. وجاء التحنيط تتويجًا لهذا المفهوم الذي كان يؤمن به المصري القديم بيوم الحساب ويوم القيامة وفي اعتقاده أن الملائكة تقرب إلى الله الذي يرمز له بكلمة هيروغليفية (آمون رع - والتي تعني الإله الواحد الخفي الذي لا يُرى وهو الله).
فقد كان المصري القديم يؤمن بالله الواحد القهار وبيوم البعث قبل ظهور الأديان السماوية المتعارف عليها الآن، وهي الدعوة التي أطلقها سيدنا إبراهيم عليه السلام في العالم القديم وقبله كان إدريس عليه السلام يدعو بها وقد قيل (إنه مصري).
فهذا رد عملي على قول الذي يدعي بأن المسيحيين هم أصل المصريين وتناسى أن الأغلبية المسلمة الآن كانت أغلبية مسيحية حتى 803 سنوات سابقة على اليوم والتي تحولت إلى أغلبية دينية مسلمة (ورغم ذلك لم يولَّ مصري واحد على مصر في ظل الحكم الإسلامي وأيضًا لم يولَّ مصري مسيحي سابق على مصر في ظل الحكم البيزنطي قبل الإسلام)، ولكن الكل كانوا مصريين، هم هم ليس فقط بشهادة التاريخ ولكن بشهادة (DNA) الذي أقر أن 90% من جينات المصريين الآن بمسلميها ومسيحييها تساوي جينات المصريين القدماء الموجودة رفاتهم في المتاحف المصرية والـ10% الباقية التي يحملها المصريون من جينات الآن هو خليط من جينات وافدة رومانية بيزنطية وعربية ومملوكية (سكان آسيا الوسطى) وعثمانية وأخرى غير محددة المعالم.
إذًا لا بد أن يلتزم ويعي المصريون بكافة معتقداتهم حقيقة مفهوم المواطنة، فالقضايا القديمة التي فرضتها الظروف التاريخية لم يعد لها وجود في العصر الحديث، فلم تعد هناك قضية ذميين أو أهل ذمة، فهذه مسألة تاريخية صاحبت دخول الإسلام مصر وغيرها من البلدان الأخرى، وأغلب الأوطان الإسلامية الآن يقطنها مسلمون ومسيحيون وديانات أخرى، فهم شركاء في الوطن الذي يضمهم في الحقوق والواجبات، وأيضًا هناك مسألة الجزية التي كانت مفروضة قديمًا على غير المسلم والتي شرعت بنص الآية المعروفة على المحاربين الذين يهزمون ويرفضون الدخول في الإسلام مقابل حمايتهم وتأمينهم من الأعداء لعدم اشتراكهم في الحروب - فنحن اليوم مسلمين ومسيحيين نواجه عدو الوطن مجتمعين أيًّا كان هذا العدو وأيًّا كان ما يحمله من معتقد ولا نحارب مواطنينا المسيحيين ولا نعرض عليهم الإسلام أو السيف، فالدين لله ومصر للمصريين.
فالعلاج الأمني والحكومي الوقتي المتمثل في عدم الشفافية أدَّى إلى تراكم المشكلات لغياب الوعي السياسي لم يجدِ في شيء، فلم نعرف إلى الآن من تسبَّب في موضوع كنيسة محرم بك بالإسكندرية التي حدثت منذ سنوات أو أحداث نجع حمادي الأخيرة أو المشاكل التي تظهر غالبًا في الفئة الأقل تعليمًا من هنا أو هناك والتي تكاد تعصف بالوطن فماذا حدث؟ دعنا نرَ بهدوء ماذا حدث.
هناك زيادة في الاحتقان المتمثل في معظم أئمة الجوامع وخصوصًا في المناطق الشعبية والعشوائية وكذلك الفضائيات في ما تبثه في المجتمع من غلو وتطرف وتعصب وطعن في دين الآخر، ذلك لغياب دور الأزهر المعتدل وغياب الثقافة من أنصاف متعلمين ومنظري الدين مع سريان الفكر الوهابي المتنامي وتأكيده من خلال الفتاوى التي لم ينزل الله بها من سلطان على الجانب المسلم.
وعلى الجانب المسيحي اعتبار الكنيسة هي المرجع والملاذ الوحيد للمسيحيين التي ترعى أمنهم ومصالحهم إضافة إلى غياب الخطاب الكنسي الواعي الذي من صفاته الأساسية تربية المواطن روحيًّا وعقائديًّا، وهذا لا يحدث ومن ثم حثّ المواطنين المسيحيين على عدم المشاركة السياسية والمجتمعية مع المسلمين والتأكيد على الانزواء والتقوقع بعيدًا عن المجتمع مع تكريس فكر "الهجرة هي الحل" فأصبحنا 3 دول داخل دولة.
المواطنة اليوم للأسف الشديد تعني الانتماء إلى الدين (إسلاميًّا كان أو مسيحيًّا) وليس إلى مصر الوطن الأم من ما سبب في التفرقة المصطنعة التي تؤكد عليها الجماعة (الإخوان المسلمين وأنصار تيار الإسلام السياسي) من جهة، وبعض المتعصبين في الكنيسة المصرية من جهة أخرى مع تغيُّب كامل من قبل جميع المؤسسات الحكومية متمثِّلاً في البيروقراطية الطفيلية التي لا تقيم للوطن وزنًا.
فالمناهج التعليمية التلقينية الموضوعة للطلاب في مرحل التعليم المختلفة تدعو إلى تهميش التاريخ المصري بأحقابه المختلفة، علاوة على اضمحلال الثقافة المجتمعية كسبب رئيسي لترسيخ التباعد والتصادم بين المواطنين بدلاً من التسامح والتقارب حتى بين المصريين المواطنين مختلفي العقيدة التي كنا نعيشها حتى وقت قريب.
فمشاكل البطالة والتوظيف والتمييز على المستوى الشخصي وازدياد شعور المواطن المتنامي بأنه لا ينتمي لهذا البلد وليس له من أمره شيء بعد أن سلبه هذا الحق القادة الحكام منذ 1952 إلى الآن في ظل تنامي الفكر الغيبي لدى المواطن والذي يذكيه أئمة التطرف والغول ثم تعليق مشاكلنا المجتمعية على طرف ثالث كأمريكا وإسرائيل واعتبارنا مفعولاً به طوال الوقت، مما أدى إلى الاحتقان المتواصل المناخ الذي نعيش فيه اليوم..
نحن الآن في المجتمع المدني المصري ننعت عرقنا المصري ونفتخر بنسب ليس فينا، فالمصري المسلم يفرح كثيرًا عندما تقول له إنك شيخ عرب ويزهو بنفسه عندما يلبس لباس العرب والأعراب ويتحدَّث بمنهجهم وطريقتهم في المأكل والمشرب والكلام التي لم تعهدها في مصر سوى في الـ30 سنة الأخيرة عندما ذهب العمال والمهنيون وبعض المتعلمين إلى دول الخليج للعمل ورجعوا بمفاهيم غريبة كلها تنحو إلى التعصب والتميز والتشدد في أتفه الأمور.
وعلى الجانب الآخر تجد رجلاً مسيحيًّا مصريًّا يقال له يا خواجة فتسأل فيقال هو يروق له ذلك، أي الانتساب إلى الخواجات (التي تعني بالمصرية كل ما دون المصري وخاصة الغربي منهم) في حين الاعتزاز بالوطنية المصرية والتاريخ المصري يكون فقط عند مشاهدة المباريات الرياضية، مما يدل على قصور تعليمي وثقافي وإعلامي خطير يؤدي إلى كارثة عدم الانتماء ويغذي الطائفية التي لم تكن من سمات المصري الأصيل.
نقلاً عن موقع الازمة
جميع الحقوق محفوظة للأقباط متحدون © 2004 - 2011 www.copts-united.com